العدد 1298 - الأحد 26 مارس 2006م الموافق 25 صفر 1427هـ

سياسات الشكوى والتظلم

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدءاً من غد (الثلثاء) يتوقع أن تتوضح إجزاء من معالم الوضع العربي. فهناك القمة العربية في الخرطوم التي تعقد وسط خلافات على صيغة نهائية للبيان الختامي. وهناك الانتخابات الإسرائيلية التي تتنافس عليها الاحزاب الصهيونية في إطار توجهات تتوافق على عدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني التي نصت عيها قرارات الأمم المتحدة. وهناك أيضاً تشكيل الحكومة الفلسطينية التي قدمتها حركة «حماس» للمجلس الوطني المنتخب في ظل تجاذبات داخلية وخارجية.

الفعاليات الثلاث مهمة لتوضيح معالم صورة الوضع العربي المقبلة وهي غير مهمة قياساً بما يحصل ميدانياً من دارفور إلى العراق. فالقمة لا يتوقع أن تخرج بتوصيات استثنائية. حتى لو توافقت الدول على حد أدنى من القضايا العربية فإن إمكانات تذليل العقبات وتطويع المشكلات غير موجودة. فالدول العربية منذ فترة طويلة باتت مجرد شاهد على التحولات وفقدت كثيراً من قدراتها التدخلية لحل هذا الاشكال أو السيطرة على تلك الأزمة. لذلك لا يتوقع أن يكون لقرارات القمة تأثيرها القوي على تغيير المعادلات مهما بالغ المراقبون في المراهنة على هذا الاحتمال. فكل الاحتمالات تشير إلى نوع من التوافق المبدئي الذي يكتفي بتوصيف المشكلات وترسيم حدودها. وهذا الأمر لا يكفي في ظروف تشهد متغيرات دولية وخطيرة في المنطقة العربية الإسلامية.

الانتخابات الإسرائيلية مهمة أيضاً، ولكنها ليست ذات أهمية استثنائية في انعكاساتها على الوضعين الفلسطيني والعربي. فالاتجاه العام في «إسرائيل» يميل نحو المزيد من الانغلاق على تلك المحاولات السلمية التي أبدتها الدول العربية منذ قمة بيروت. كذلك يتجه الرأي العام الإسرائيلي إلى التطرف في اختياراته السياسية والانعزال عن كل تلك الاجتهادات الايديولوجية التي راهنت على إمكان فتح كوة في هذا المجتمع الاستيطاني الذي تأسس على فكرتي الاستيلاء والطرد.

نجاح «حماس» في تشكيل حكومة وطنية بقيادتها يعتبر خطوة مهمة، ولكن قوتها التأثيرية ستتراجع بسبب امتناع معظم الأطياف السياسية الفلسطينية عن المشاركة فيها أو دعمها. هذه المواقف المتشنجة ستعزز سلطة «حماس»، ولكنها أيضاً ستضعف الموقف الفلسطيني في مواجهة الضغوط الدولية والتهديدات الإسرائيلية. فسياسة المناكفات والحرد والامتناع عن المشاركة كلها عناصر تكشف عن سلوكيات ايديولوجية متخلفة تفتقد إلى الكثير من الوعي العقلاني الذي يغلب المصلحة الوطنية العليا على العصبيات الحزبية الضيقة.

معالم الصورة العربية المقبلة لن تكون مريحة عموماً وتحديداً إذا ازدادت سلبيات الأجزاء التي أخذت تفرز مواقع مضادة لبعضها بعضاً. القمة العربية مثلاً تميل إلى عرض حال المشكلات المزمنة والمستحدثة وهذا ليس كافياً لأن المطلوب هو الانتقال من الوصف واستعراض القضايا في «البيان الختامي» إلى رسم خطة عمل تقوم على مجموعة آليات لتفنيذ القرارات وتحويلها إلى أهداف ميدانية. هذا لم يحصل سابقاً ويتوقع ألا يحصل في الخرطوم. فكل الإشارات تميل إلى ترجيح تكرار مواقف والشكوى والتظلم من فلسطين والسودان إلى العراق ولبنان. وهذا النوع من الكلام التظلمي لا تحترمه عادة الدول الكبرى وتتعامل معه بسخرية وتنظر إليه باستخفاف من فوق. الدول الكبرى تحترم فقط تلك القوى الفاعلة على الأرض التي لا تكتفي بالمطالبة في إعطاء حقوقها وإنما تعمل ميدانياً وتجتهد فعلاً لانتزاعها. فالحقوق حتى من الجانب الدولي لا تعطى بل تؤخذ. وهذا على الأقل ما أكدته التجربة في لبنان حين أخذ حقوقه بالقوة والقانون معاً. وهذا ما يظهر أن «حماس» تعلمته من تجربة حزب الله في لبنان مقابل استيعابها لما افرزته تجربة سلطة «اتفاق أوسلو» في الضفة والقطاع.

مواقف الأطياف الفلسطينية المعارضة أو المتضررة من نجاح «حماس» في الانتخابات تشبه كثيراً شكاوى الدول العربية المجتمعة اليوم في الخرطوم. فهي مواقف ضيقة الأفق وأقرب إلى منطق التظلم الذي يعتمد سياسة المناكفة والاعتراض ويحمِّل غيره مسئولية فشله في الحصول على حقوقه. وهذا لن يحصل إذا اكتفت الدول العربية في سياسة المطالبة وترددت في تحويل عناصر القوة الموجودة لديها إلى خطة عمل مشتركة تعتمد على برنامج محدد يستند إلى قوة القانون الدولي ولا يتكل عليه.

يقابل هذا الوضع العربي المفكك إلى إجزاء سلبية انتخابات إسرائيلية يرجح أن تنتج كتلة نيابية عنصرية متطرفة تميل إلى ترسيم حدود دولة بمعزل عن الشعب الفلسطيني وحقوقه. فالحكومة المقبلة يرجح أن تترك اجزاء من الضفة وتبقي على أجزاء وستعمد إلى عزل المدن والقرى في كانتونات (وحدات صغيرة مقطعة) تحيط بها أسوار الجدار العنصري.

السياسة العدوانية الإسرائيلية المستمرة منذ العام 1948 تفترض أن تواجهها سياسة ميدانية عربية وفلسطينية موحدة تعطل عليها إمكانات النجاح. هذه كما تبدو الأمور فرضية لأن المشاهد التي تظهر عليها قمة الخرطوم وما يقابلها من تنافر فلسطيني في الضفة والقطاع يكشفان عن ضعف بنيوي يميل إلى الاكثار من الشكوى والتظلم ويبتعد عن سياسة الفعل الميداني وتطوير عناصر القوة لمواجهة ما هو أسوأ مما هو قائم الآن

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1298 - الأحد 26 مارس 2006م الموافق 25 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً