في الفترة الأخيرة، برزت للقارئ البحريني مجموعة من الأسماء «النسائية» التي تكتب في رأيها موضوعات مختلفة، ضمن أعمدة الصحف المحلية، ولم تكن تلك الظاهرة لتثير الانتباه لولا عاملين: أولهما أن القارئ البحريني لم يتعود رؤية هذه الأسماء في الصحف من قبل، وثانيهما أن الانتخابات البلدية والنيابية على الأبواب.
ولا يخفى على القارئ البحريني طبعاً، أن غالبية هذه الاسماء النسائية التي بدأت تكتب، تنوي ترشيح نفسها في الانتخابات المقبلة، بلدية أو نيابية. وجاءت كتابتها للأعمدة جزءاً من خطة للظهور الإعلامي بدأت الجهود تحشد من أجلها.
ومن المهم جداً التركيز هنا أيضاً، على أن هذه الخطة يتبعها المرشحون الرجال، فكم من أسماء رجالية برزت على ساحة الكتابة في أعمدة الصحف قبل فترة بسيطة من الانتخابات.
أسلوب الظهور الإعلامي هذا، مشروع ومنطقي بالنسبة إلى من يريد الترشح، فهو يريد أن يتعرف عليه الناس، على أفكاره ورؤاه في القضايا المختلفة، وليس هناك من وسيلة أهم من الإعلام لبروزه عنصراً ذا رأي وتوجه. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو أين كانت هذه الاسماء والوجوه، نسائية كانت أو رجالية، من الساحة الإعلامية قبل أن تقرر الترشح للانتخابات. وماذا تعني وسائل الإعلام بالنسبة إليها في هذا الوقت.
إن التركيز على الظهور في وسائل الإعلام في هذه الفترة من حياة المرشح، أو المرشحة، يعني أن وسائل الإعلام تعني بالنسبة إليهما وسيلة لـ «الدعاية الانتخابية»، لنفس كل منهما، أو لبرنامجه.
إحدى أهم المشكلات في مجتمعاتنا، هي عدم معرفة الدور الحقيقي لوسائل الإعلام، والتخوف منه، وعدم الثقة بأدواته، وعدم التعاطي السليم بالتالي معه وسيلة حقيقية للتعبير عن الرأي. وتشترك في هذه المشكلة، وسائل الإعلام نفسها، جنباً إلى جنب مع أفراد المجتمع. فوسائل الإعلام، بتكريسها أنماطاً غير مهنية في معالجتها لمختلف القضايا، خلقت صورة «مشوهة» عنها بوصفها «دعائية»، والفرق كبير بطبيعة الحال بين الدعاية وبين الإعلام.
في ورشة العمل الأخيرة التي أقامها برنامج التمكين السياسي للمرأة التابع إلى المجلس الأعلى للمرأة، تدربت المشاركات من النساء اللاتي ينوين الترشح أو إدارة إحدى الحملات الانتخابية لمرشحين، تدربن على أساليب المناظرة والتعامل مع وسائل الإعلام، ضمن خطة لتأهيلهن لما ينتظرهن من معارك «إعلامية» إن قررن خوض الحملة الانتخابية. ماذا تريد المرأة المرشحة من الإعلام، وماذا يريد الإعلام منها؟ كان هذان السؤالان موضوعاً لأحد المحاور التطبيقية الذي تناظرت فيه بعض المترشحات مع مندوبات «كلهن كن نساء» وسائل الإعلام في المملكة. وطبعاً تنتظر المترشحات الكثير من وسائل الإعلام، مثلما تنتظر وسائل الإعلام الكثير من المترشحات. ومطالب الطرفين قديمة متجددة، فالنساء يطلبن «حضوراً» في وسائل الإعلام، بشكل يوازي حضور الرجل واكتساحه عناوين الأخبار، ووسائل الإعلام تطلب في المقابل مواكبة المرأة للحوادث، وطلاقتها في الحديث، وامتلاكها رأياً سديداً في موضوعات «تهم المجتمع» بكامله وبشكل مستمر، غير مربوط بموسم الانتخابات فقط.
كيف يمكن للإعلام أن يخلق للمرأة حضوراً في المجتمع، إن لم يكن لها حضور؟ وكيف يمكن له أن يتعامل معها بصفتها عنصراً فاعلاً في المجتمع، إن لم تكن فعلاً عنصراً فاعلاً؟ وكيف يمكن للإعلام أن يصنع صورة لشخصية راقية، تبقى في أذهان الناس، من دون أن تكون هذه الشخصية حقيقية وواقعية. ربما تظهر بعض الشخصيات في الإعلام بكثرة، لكن لا يعني أنها تترك أثراً في أذهان المجتمع، لأن الصورة أو الكيفية التي تظهر بها هذه الشخصية، هي العلامة الفارقة في بقائها. لا يمكن للإعلام أن يخلق شيئاً من العدم، ما لم يكن موجوداً وفاعلاً.
في النهاية، تحية إجلال للنساء النشيطات والفاعلات، اللاتي برزن في الإعلام لدور حقيقي قمن به، ولمشاركة فعلية اتخذنها، مشاركة فعلية وليست مفتعلة
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1297 - السبت 25 مارس 2006م الموافق 24 صفر 1427هـ