العدد 1297 - السبت 25 مارس 2006م الموافق 24 صفر 1427هـ

كلنا للطائفة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

«كلنا للوطن» مطلع النشيد الوطني اللبناني. فهذا النشيد يحفظه الطالب غيباً لأنه العنوان المشترك أو الهوية الجامعة والمفترضة لكل اللبنانيين.

منذ استقلال لبنان وجلاء القوات الأجنبية (الفرنسية) عنه يردد اللبنانيون هذا النشيد في المناسبات الوطنية والمهرجانات والاحتفالات الحزبية والرسمية. وحتى الآن لايزال مطلع النشيد مجرد أغنية لم تتحقق عملياً. فالواقع الاجتماعي ليس لبنانياً، بل إنه في واقعه الطائفي/ المذهبي ضد لبنان.

«كلنا للوطن» هو فعلاً مجرد شعار أحسن تلحينه وقوله شعراً بينما حال اللبنانيين تقول ميدانياً: «كلنا للطائفة» وبعدها «كلنا للمذهب» ثم «كلنا للمنطقة» وبعدها «كلنا للعشيرة» وأخيراً «كلنا للزعيم»... إلى آخر سلسلة «كلنا».

هذا هو واقع لبنان منذ تأسيسه رسمياً في العام 1920 واستمر هذا الواقع ينتج أعداء للبنان منذ ذاك التاريخ حتى استقلاله. فالفكرة اللبنانية لاتزال حتى الآن مجرد فكرة يطمح اللبنانيون لها ويبحثون عنها في الطوائف والمذاهب والمناطق والعشائر والزعامات ولا يجدونها سوى في البيانات والشعارات والكلام. فالفكرة لاتزال نظرية عمل ولم تتحول إلى واقع فعلي.

«كلنا للوطن» موجودة في الكتب المدرسية وهي أغنية يحلم اللبناني بها ولا يرى في الواقع العملي إلا تلك الأشياء والافرازات التي تعاكسها. فالكل ليس للوطن. والوطن في الترتيب العام يأتي في الحلقة الأخيرة من سلسلة لا تنتهي فيها التقسيمات والانقسامات.

أكبر عدو للفكرة اللبنانية (كلنا للوطن) هو النظام الطائفي والمذهبي والمناطقي الذي يوزع «كل اللبنانيين» إلى هويات صغيرة وأصغر ثم أصغر وصولاً إلى جزئيات لا توجد فيها تلك الفكرة «الجميلة» التي يحلم بها اللبنانيون ولا يجدون إلا ما هو ضدها.

أين «اللبناني» في الفكرة؟ في البرلمان اللبناني مثلاً لا يوجد مقعد لهذا اللبناني. فالمقاعد موزعة على المسيحيين والمسلمين بالتساوي. ثم توزع المقاعد محاصصة بين المسيحيين ومحاصصة بين المسلمين. ولا مكان شاغراً للبناني. فهناك مقاعد مارونية وسنية وشيعية ودرزية وعلوية وكاثوليكية وارثوذكسية وبروتستانتية وأرمنية وسريانية وانجيلية واشورية وكلدانية وكردية وأقليات... إلى آخر الطوائف والمذاهب. ولا يوجد من هذه السلسلة الطويلة طائفة لبنانية تعطى لهذا «اللبناني».

في الحكومة أيضاً لا توجد وظيفة وزارية لهذا اللبناني. فاللبناني مطرود من البرلمان ومن الحكومة. مسموح بدخول الحكومة فقط لكل من يمثل طائفته أو مذهبه أو منطقته أو زعيمه. فهناك وزراء شيعة وسنة وموارنة وكاثوليك وارثوذكس ودروز وأرمن وغيرها من هويات لا تحصى تستثنى منها الهوية اللبنانية.

كذلك نجد كل الفرق والملل والنحل في مختلف مؤسسات الدولة من تربية وتعليم وصحة وخارجية وإعلام وداخلية وثقافة ودفاع وكهرباء وتنمية وطرقات واتصالات ومواصلات ومالية وتجارية وصحية وزراعية، إضافة إلى المحافظات والاقضية والبلديات وغيرها من هيئات رسمية. حتى السفراء والقناصل توزعوا «لبنانياً» على قاعدة الملل والنحل والمذاهب والطوائف والمناطق والزعامات.

كل هؤلاء «للوطن». فالوطن هو مصطلح جغرافي تأسست عليه فكرة عامة غير قابلة للتطبيق. فالبرلمان «لبناني» والحكومة «لبنانية» والوزير «لبناني» والسفير «لبناني» وجواز السفر «لبناني» أيضاً وكذلك الاختام الرسمية والعلم. كل هذه الأشياء والرموز «لبنانية». وتحت هذه «اللبنانية» توجد هويات لا متناهية من «الجنسيات» المحلية التي تبطل العام وتكرس الخاص إلى أبسط جزئياته.

«اللبنانية» إذاً تعني ضمناً «كلنا للوطن»، وتعني أيضاً ضد كل ما هو للوطن، أي أنها تعني الفكرة اللبنانية وعكسها. عكسها وجدت وظيفة لها في «لبنان»، بينما «اللبنانية» لم تجد لها وظيفة شاغرة في مؤسسة من مؤسسات الدولة.

هذا هو لبنان... أحببناه أو لم نحبه. فهو دولة غريبة عجيبة اعتمدت نظاماً لا وظيفة له سوى إنتاج غير اللبنانيين، أي أنه ينتج من هم ضد فكرة الدولة. فالدولة طاردة لنفسها وهي قائمة على سياسة طرد «اللبنانيين» إلى دنيا الاغتراب تعزيزاً لفكرة «الانتشار اللبناني في العالم». فاللبناني الوحيد هو المغترب بينما اللبناني المقيم صاحب هوية أخرى يصعب عليه التحرك أو التوظف أو التصرف من دونها. فالهوية الأخرى واجبة عليه حتى لو تمرد عليها أو رفضها أو استبدلها. الفكرة اللبنانية ملتبسة أو ملتوية على غرار هوية «مزارع شبعا».

«كلنا للوطن» مطلع نشيد مضت على تلحينه قرابة 60 عاماً وحتى الآن لايزال يطير ويغني في فضاءات لبنان باحثاً عن مكان يعطيه مبرراً أو قيمة لفكرة غائبة بسبب نظام وظيفته الوحيدة منعها من التحقق والانتقال من المجرد إلى الواقع

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1297 - السبت 25 مارس 2006م الموافق 24 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً