في معظم دول العالم المتحضر لا ينحصر دور البلديات فقط في إصدار تصاريح البناء بأنواعها، ولكن يتبع إصدار هذه التصاريح متابعة أعمال الإنشاء خطوة خطوة، بدءا من حفر الأساسات وصبها مرورا بنوعية حديد التسليح ومدى ملاءمته لحجم البناء ومساحته وانتهاء بعدد الأدوار للمنشأة، منزلا كانت أو عمارة سكنية أو مشروعا استثماريا ضخما.
في البحرين، الإشراف لا يتم إلا على المباني التي تزيد مساحتها على 140 متراً مربعاً، وهذا الإشراف يقتصر على توقيع المفتش على استمارة الإشراف على مراحل البناء بعد نهاية المشروع، وهنا قد يقع ما لا يحمد عقباه، فقد يكون صاحب المبنى خالف في الإنشاء أو تجاوز الحد المسموح له من عدد الشقق أو الارتفاعات أو البروز وخلافه من الأمور الفنية التي كان من المفترض متابعة جميع مراحلها واحدة تلو الأخرى كما يجب.
في السابق، كانت توجد في البلدية وحدة تسمى «وحدة الإنشاءات» يعمل فيها مهندسون إنشائيون متخصصون يقومون بمتابعة أعمال الإنشاءات لمختلف المشروعات، وكانت مهماتهم تشمل التأكد من «أساسات» البناء، والتأكد من كمية الحديد المستخدم ومدى مطابقته للمواصفات والمقاييس المعتمدة، والتأكد من التصاميم الإنشائية المقدمة من قبل المكاتب الهندسية، ومتابعة جميع خطوات الأعمال الإنشائية، مع اعتماد والتوقيع على صحة هذه الأعمال.
المطلوب الآن هو إعادة الحياة لهذه الوحدة وإعادتها لهيكل الوظائف الخاص بإدارة الخدمات الفنية في البلديات، بعد أن تم إلغاء دورها والاكتفاء بإسناد مهماتها الإشرافية إلى المكاتب الهندسية التي بدورها تكتفي بوجود مهندس شركة مقاولات البناء التي تنفذ أعمال البناء ومتابعته لسير العمل.
المشكلة ليست في المشروعات الاستثمارية الضخمة، فهذه يحرص أصحابها على أن تتولى تنفيذها شركات إنشائية عالمية تحرص على سمعتها قبل أي شيء آخر، المشكلة تكمن في الأعمال الإنشائية للمشروعات الأخرى ومن ضمنها منازل المواطنين البسطاء الذين تقل مساحة منازلهم عن 140 متراً مربعاً. فهؤلاء يقعون ضحية من يرسم لهم خريطة تصاميم أولية (سكتش) قد لا يتم تطبيقها على الواقع عند الشروع في التنفيذ، ويتم تجاوز ما فيها، وعندها يقع المواطن مع المفتش (وطبعا البلدية) في إشكال كبير، بسبب تلك التجاوزات وبسبب عدم المتابعة الإنشائية الميدانية لمراحل البناء من قبل البلدية كما هو مفترض.
ليس الهدف من إنشاء هذه الوحدة هو تعطيل الأعمال والبيروقراطية الإنشائية كما قد يظن البعض، انما الهدف حماية البلديات من أية قصور ومشكلات قد تنتج عن سوء الإشراف والمتابعة، ومن باب أولى حماية استثمارات المواطنين وأرواحهم التي هي أغلى من أي شيء في مملكتنا الفتية. فهل ترى هذه الوحدة النور من جديد ويفعل دورها؟
العدد 1297 - السبت 25 مارس 2006م الموافق 24 صفر 1427هـ