ينظم جهاز الرقابة المالية لسلطنة عمان في مسقط خلال الفترة من 25 إلى 29 من الشهر الجاري برنامجاً تدريبياً للعاملين بدواوين المراقبة والمحاسبة بدول مجلس التعاون لدول الخليج، بشأن دور وحدات التدقيق الداخلي في تفعيل أنظمة الرقابة الداخلية.
ويهدف البرنامج إلى تعريف المشاركين بالإطار المنظم لعمل وحدات التدقيق الداخلي. كما يبحث في دور هذه الوحدات في تفعيل وتعزيز أنظمة الرقابة الداخلية لتوفير الضمان الكافي للإدارة والأجهزة الرقابية المالية لتحقيق أهدافها واكتساب المعارف والمهارات العملية لفحص أنظمة الرقابة الداخلية. ويفترض أن يتم ذلك من خلال تزويد المشاركين بالإطار النظري والتشريعي للرقابة الداخلية.
لقد شهدت بداية الألفية الثالثة جدلاً واسعاً بشأن دور ومسئولية مدققي الحسابات من جراء الهزات التي تعرضت لها الشركات أو المؤسسات من عامة أو خاصة. وتصاعد هذا الجدل بعد انهيار «اثرون» وما تلاه من اختفاء شركة مثل «آرثر اندرسن».
ويعزو البعض الانفجارات المفاجئة التي نسمع بها إلى حالات التسيب الناجمة إلى حد بعيد عن غياب آلية رقابية أخرى تسمى التدقيق الداخلي، تهدف إلى مساعدة إفراد الشركة على إنجاز مسئولياتهم بفاعلية. ويقوم التدقيق الداخلي بتزويد هؤلاء بتحليلات وتقييمات وتوصيات ومعلومات حول النشاطات التي تتم مراجعتها لخلق تدقيق داخلي فعال. ويتطلب نجاح تلك العملية، توافر عنصرين مهمين: الكفاءة، والاستقلالية.
الويبو والتدقيق الداخلي
وقد أولت المنظمة الدولية للملكية الفكرية (الويبو) هذه المسألة أهمية خاصة، انعكست في ميثاق الويبو للتدقيق الداخلي. والتدقيق الداخلي بحسب ذلك الميثاق عملية مستقلة وموضوعية واستشارية ترمي إلى رفع قيمة أعمال أية منظمة وتحسينها، وتساعد على تحقيق أهداف المنظمة بتطبيق منهج نظامي ومضبوط لتقييم فعالية إجراءات تقدير الخطر وأنشطة المراقبة وحُسن الإدارة ولتحسين تلك الإجراءات والأنشطة.
وتشمل أهداف التدقيق الداخلي السعي لضمان مراقبة فعالة من حيث الكلفة وتحديد الوسائل الكفيلة بتحسين درجة الفعالية والتوفير والترشيد في الإجراءات الداخلية واستعمال الموارد.
يكون مدير مكتب التدقيق الداخلي مسئولاً أمام المدير العام، ويتمتع بالاستقلالية في أداء واجباته، وله صلاحية بدء أية إجراءات وإنجاز أية أعمال والتبليغ عن أي إجراء أو عمل، كلّما رأى ذلك ضرورياً لممارسة اختصاصاته.
وتهدف أنظمة الرقابة الداخلية إلى تأكيد:
1. الاعتمادية وسلامة المعلومات.
2. التطابق مع السياسات والخطط والإجراءات والقوانين والتعليمات والعقود.
3. حماية الأصول.
4. الاستخدام الاقتصادي والكفء للموارد.
5. إنجاز وتحقيق الأهداف الموضوعة للعمليات والأنشطة أو البرامج.
وتتعدد أنواع التدقيق الداخلي لتشمل:
1. تدقيق مالي: تحليل الأنشطة الاقتصادية للمنظمة التي تم قياسها بالتقارير المحاسبية.
2. تدقيق التطابق: مراجعة الأنشطة والرقابات التشغيلية والمالية لمعرفة مدى تطابقها مع القوانين والإجراءات والتعليمات.
3. تدقيق العمليات: مراجعة شاملة للوظائف المختلفة التي تقوم بها المنظمة لتقييم الكفاءة الاقتصادية للعمليات والفعالية بتحقيق الأهداف.
والتدقيق الداخلي في النفط مقابل الغذاء
وقد طال جدوى التدقيق الداخلي مؤسسات مثل الأمم المتحدة، فقد أكدت لجنة تحقيق في تجاوزات برنامج «النفط مقابل الغذاء» الذي كانت الأمم المتحدة تطبقه في العراق، أن المنظمة الدولية لم تكن متشددة في إجراءات المراقبة والتدقيق ما تسبب بإهدار ملايين الدولارات.
ونشرت هذه اللجنة المستقلة التي عينها أمين عام الأمم المتحدة كوفي عنان وترأسها الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي الأميركي بول فولكر 58 تقريراً عن عمليات تدقيق داخلي في الحسابات أجرتها الأمم المتحدة بين 1999 و2004 بشأن البرنامج.
واعتبرت اللجنة أن هذه التقارير تصف إجراءات غير ملائمة في قطاعات كثيرة من الأنشطة وتعكس صورة عن عدد من المنظمات التي أنهكها ضغط العمل والنقص في الموارد وكان عملها في غالب الأحيان غير فاعل وينطوي على تبذير.
والخلل في إجراءات المراقبة يطاول جميع أوجه البرنامج لاسيما على صعيدي منح وإدارة العقود ومراقبة شروط تنفيذها. وبلغ حجم الخسائر التي تكبدتها الأمم المتحدة نتيجة الإخفاق على هذين الصعيدين ما لا يقل عن 6,4 ملايين دولار.
وعهد بالتدقيق في العقود النفطية الى شركة «سايبولت ايرسترن هيميسفير» الهولندية، فيما عهد بمراقبة العقود حول الحاجات الإنسانية إلى شركتي «لويدز ريجيستر» البريطانية و«كوتيكنا» السويسرية.
كذلك وجهت انتقادات إلى اجراءات إدارة الحسابات المصرفية المرتبطة بالبرنامج. وصدر بعض هذه الانتقادات عن قسم التدقيق الداخلي في الامم المتحدة، غير انه تم تجاهلها بصورة عامة.
وتشكل الفضيحة التي كشفت في يناير/ كانون الثاني 2004، مصدر ارباك كبير بالنسبة الى منظمة الامم المتحدة.
وورد في اطارها اسم كوجو عنان نجل كوفي عنان، الذي كان يعمل لحساب شركة «كوتيكنا» بينما وجهت اصابع الاتهام الى بينون سيفان المسئول الدولي الكبير المكلف الاشراف على البرنامج. غير انه نفى اي عملية اختلاس.
وبدأت بعض دول مجلس التعاون تولي هذه المسألة أهميتها التي تستحقها، فقد تحدثت إحدى الأوراق التي قدمت في المؤتمر العربي الأول حول (التدقيق الداخلي في إطار حوكمة الشركات) الذي عقدته المنظمة العربية للتنمية الإدارية عن التطورات الحديثة في البيئة الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، والتي كانت أحد أهم العوامل التي أدت إلى إعادة هيكلة بعض الوزارات وإصدار بعض الأنظمة والقرارات والتي من ضمنها قرار تكوين لجان للمراجعة في الشركات المساهمة.
وأكدت الورقة التي عرضها أستاذ المحاسبة المشارك بجامعة الملك عبدالعزيز، عوض سلامة الرحيلي بعنوان: «لجان المراجعة كإحدى دعائم حوكمة الشركات - حالة السعودية»، أن البيئة الاقتصادية في المملكة العربية السعودية شهدت في السنوات الأخيرة تطورات وتغيرات جذرية بهدف التهيئة والاستعداد لدخول المرحلة القادمة تمهيداً للانضمام لمنظمة التجارة العالمية. وشمل ذلك إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى وإعادة تشكيل المجلس الأعلى للبترول والمعادن وصدور نظام الاستثمار الأجنبي الجديد، وإنشاء الهيئة العامة للاستثمار، والهيئة العليا للسياحة وهيئة الاتصالات، بالإضافة إلى موافقة مجلس الوزراء على نظام السوق المالية والذي يعد نقلة نوعية مهمة في تاريخ السوق المالية السعودية، إذ سيساهم في إعادة هيكلة رأس المال بالمملكة على أُسس جديدة ومتطورة من شأنها العمل على تعزيز الثقة بهذه السوق وجذب الاستثمارات لها، وتوفير مرجعية نظامية متكاملة لها تشمل أهم المبادئ والأسس والنصوص التي تغطي كل الجوانب المتعلقة بالسوق؛ كما صدر نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، ونظام مكافحة غسل الأموال.
وتذكر الورقة أن لجان المراجعة تعتبر تجربة حديثة في بيئة المملكة العربية السعودية، وأول تشكيل لها كان بموجب القرار الوزاري رقم (903) في 23 يناير 1994، إلا أنه لم يستمر طويلا، إذ واجهت هذه التجربة بعض الصعوبات وتعرضت لبعض الانتقادات في التطبيق العملي لها من قبل الباحثين والمهتمين، الذين أوصوا بضرورة إعادة النظر فيها لكي تقوم بدورها المطلوب الأمر الذي سرع في تشكيل فريق عمل متخصص من قبل الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين لدراستها وتقييمها وإعادة هيكلتها، وهو ما سنستعرضه في الفقرات الآتية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1296 - الجمعة 24 مارس 2006م الموافق 23 صفر 1427هـ