العدد 1296 - الجمعة 24 مارس 2006م الموافق 23 صفر 1427هـ

جامعة «التفكيك» العربية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تستعد الدول العربية إلى عقد قمة في الخرطوم لبحث قضاياها بإشراف جامعة الدول العربية. الكثير من المراقبين يراهن على نجاح القمة، والكثير يتخوف من فشلها. لكن التجارب المرة منذ تأسيس الجامعة تشير إلى احتمال اتفاق الأطراف العربية على صيغة «بيان ختامي» ومن ثم التفرق إلى دول تبحث كل واحدة منها عن مسار خاص لترتيب أوضاعها الداخلية والإقليمية.

«البيان الختامي» العربي يشبه كثيراً أوضاع كل دولة عربية. فهو مجرد بيان بالأحوال ووصف للمشكلات ولا يتضمن آليات لمعالجة الأزمات واحتواء مسبباتها. ومثل هكذا «بيانات ختامية» لا يتوقع منها أكثر من توصيف الأوضاع العربية. والتوصيف لا يعني في أي حال من الأحوال تقديم وصفة للعلاج بقدر ما هو عرض حال المشكلات والتمني لمحاصرة سلبياتها.

التفاهم على رفض تفاقم سلبيات المشكلات ربما يكون هو «الإنجاز» المتوقع من قمة الخرطوم أو أي قمة عربية أخرى تعقد في أي دولة عربية. وحين يأتي موعد القمة التالية تكون تلك السلبيات، التي تفاهمت الدول العربية على احتواء امتداداتها، توسعت وازدادت فيتم التفاهم من جديد على ضرورة منع انفلاتها. وهكذا دواليك.

الدول العربية مرت ماضياً وتمر حاضراً في أسوأ حالاتها وحتى الآن لم تنجح الجامعة في ضبط الخط البياني ومنع مساره من الانزلاق. فكل قمة تعالج نظرياً مشكلات الأمة وتنتهي إلى بيان عربي يقرأ عوارض الأزمات في سياق متضارب في المصالح. وهذا التضارب يدفع الدول إلى الكلام بالعموميات وتجنب التطرق إلى الخصوصيات حتى لا تؤدي التفصيلات إلى تمزيق الشمل.

هذا «التفرق» العربي له أسبابه الكثيرة. وهذه الأسباب تفرز نتائج تزيد من تضخم المشكلات سنوياً وبالتالي تؤسس لنوع آخر من المسببات التي لا تساعد على الاقتراب في حسابات المصالح وأنها تراكم الافتراق الذي يظهر التباين الطردي في وحدة المصير والأهداف.

هناك الكثير من الأسباب أوجبت ظهور هذا الافتراق العربي تحت «قبة» الجامعة. فالجامعة فعلاً أصبحت مجرد وعاء يحتوي التناقضات ولم تعد تتعامل بجدية مع تلك الفكرة التي تأسست عليها. فحين اتفق على تأسيس الجامعة كان الطموح هو أن تشكل الفكرة العربية بداية لمشروع وحدوي. أي أن الجامعة هي الوسيط أو الجسر التاريخي الذي ينقل الدول العربية المستقلة حديثاً آنذاك من حال التفكك إلى حال التجمع وصولاً إلى الوحدة.

الآن وبعد مرور أكثر من 60 عاماً على تأسيسها في العام 1945 بات الوضع العربي أقرب إلى حال التفكيك منه إلى حال التوحيد. فهناك عشرات المشروعات السياسية والأمنية والدفاعية والجمركية والتربوية والإنمائية والاقتصادية والنقدية... وغيرها اتفقت عليها مؤسسات الجامعة ولم تنفذها دولها حتى الآن. فكل الدول العربية تناقش وتفاوض وتبحث وتزايد على بعضها ثم توقع هذا الاتفاق أو ذاك وأخيراً لا تنفذ ما وقعته.

المشكلة ليست في عدم احترام الاتفاقات والتنكر للتوقيع فقط وانما تكمن أيضاً في نمو تعارضات داخلية أملت على كل دولة تأسيس «نظام عربي» مختلف عن الآخر. وهذه الأنظمة التي اكتسبت شرعية دولية من خلال التسجيل في المؤسسات العالمية (الأمم المتحدة مثلاً) نسجت لنفسها سلسلة مصالح قطرية وكيانية ضيقة تضمن سيادتها وتعطيها صلاحيات اعتراضية تجيز لها رفض تطبيق ما توافقت عليه مع دول أخرى.

الجامعة العربية هي فعلاً جامعة للتفكك العربي وليس للمصالح العربية. وهي مستمرة بالقوة، وليس بالفعل، لأنها تحولت إلى مؤسسة رمزية تبحث في المشكلات وتتوافق على تعيين المخاطر وتحذر من السلبيات وتتمنى ألا تتسع حدود الاختلافات وتنتهي في الأخير إلى توصيف عوارض الأزمات في صيغة «بيان ختامي».

الدول العربية تستعد الآن لعقد قمتها في الخرطوم. وهذه القمة لن تكون ناجحة ولن تكون فاشلة فهي مجرد قمة عربية ستنتهي إلى ترسيم حدود المشكلات في «بيان ختامي» يستعرض الأزمات المتفاقمة ويتمنى ألا تتوسع أسبابها وتكبر مساحات سلبياتها... بانتظار أن تعقد قمة أخرى في مكان آخر

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1296 - الجمعة 24 مارس 2006م الموافق 23 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً