العدد 1295 - الخميس 23 مارس 2006م الموافق 22 صفر 1427هـ

التسلسل القيمي لصناعة الثقافة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تتفاوت الزوايا التي تتناول الثقافة ومن ثم صناعة الثقافة. فبينما يحاول البعض أن يحصرها في نطاق البنية الفوقية للمجتمع، ومن ثم يجعلها نتاجا بدل أن تكون عنصرا منتجا. نرى فريقاً آخر يعتبرها قطاعا من القطاعات الصناعية التي بدأت تشق طريقها في المجتمعات ما بعد الصناعية. ويرتكز هذا الفريق في أطروحاته على تطور المجتمع الإنساني وازدياد دور تقنية المعلومات والاتصالات في حياة الإنسان وأنشطته، بالإضافة إلى تنامي أهمية قيمة الملكية الفكرية. كل هذه الظواهر أدت إلى بروز صناعة الثقافة.

في هذا السياق تطورت الاجتهادات من محاولة الوصول إلى تعريف الثقافة إلى تحديد مفهوم صناعة الثقافة. وبموجب ذلك بدأت مساعٍ ومحاولات تعريف صناعة الثقافة. تعرف المنظمات الدولية مثل اليونيسكو والجات صناعات الثقافة أو صناعات الإبداع بأنها المزج بين خلق وإنتاج وتوزيع البضائع والخدمات الثقافية بطبيعتها، والتي غالبا ما تكون محمية بحقوق الملكية الفكرية. وتمارس الملكية الفكرية دوراً رئيسياً في وضع الإطار العام لمفهوم صناعة الثقافة خاصة عندما يكون مدخلها التسلسل القيمي.

مفهوم صناعة الثقافة

أما من ناحية المفهوم فإن الصناعة الثقافية هي التي في الغالب تتضمن إنتاج ونشر النصوص والموسيقى وبرامج التلفاز، إلى جانب الحرف. وبالنسبة لبعض الدول يضاف إلى كل ذلك أعمال الهندسة المعمارية والصوتيات وفنون الأداء والرياضة والإعلان والسياحة الثقافية، عندما تضيف قيمة للمحتوى وتولد قيما للأفراد والمجتمع. لذلك فصناعة الثقافة هي تلك الأنشطة التي ترتكز على المعرفة في صورتها المتكاملة، التي تحتاج إلى كثافة عمل عالية، وقادرة على توليد الثروة وفرص العمل. وعن طريق مد المجتمع بمقومات الإبداع تشيع قدرة المجتمع على تنويع ثقافاته ومن ثم تعزيز أدائه الاقتصادي.

وتبنت الصناعات الثقافية، وعلى نطاق عالمي التقنيات الرقمية الحديثة، واستوعبت وبدأت تتأقلم سياسات الانفتاح العالمية والإقليمية والمحلية. هذه العوامل بدأت تدق وبشكل جذري أبواب الاطر والقنوات التي تتدفق من خلالها البضائع والخدمات والاستثمارات بين الدول، ومن ثم فقد بادرت تلك الصناعات إلى الانخراط في نمط من أنماط العالمية ذات المركزية المتزايدة، الأمر الذي أدى إلى تكوين سوق كبيرة عالمية لا يحتكرها أحد.

صناعة الثقافة والتسلسل القيمي

منظور جديد بدأ يعالج موضوع صناعة الثقافة ومن مدخل مختلف عن ذلك الذي تبنته مدرسة فرانكفورت. هذا المدخل هو مدخل التسلسل القيمي (value chain) ونقطة الانطلاق في تناول صناعة الثقافة من مفهوم التسلسل القيمي هو أن ليس هناك مفهوم دقيق شامل ومتكامل لصناعة الثقافة. إذ يمكن الدخول للموضوع من عدة حقول، فبوسعنا أن ننظر لها على أنها صناعة تتكامل فيها مجموعة من العمليات المترابطة، حتى وأن كانت في حقول معرفية مختلفة، والتي تبدأ بخلق فكرة وتنتهي بتسويق سلعة. والعامل الحاسم هنا هو الابتكار وتعريف المنتج الفني، ومعاينة عملية الإنتاج والمجتمع، وتحليل تأثيرات ذلك على الاقتصاد والعمالة أو فرص العمل. يمكن لنا هنا أن ندرج مجموعة من المهن ذات العلاقة، على سبيل المثال الهندسة المعمارية، أشرطة الأفلام السينمائية، التلفاز، محطات الإذاعة، الإنتاج الأدبي، الفعاليات الثقافية، الحرف الصناعية، التصوير، الوسائط المتعددة... إلخ.

والتعريف العريض لهذه الصناعة المستمد من التسلسل القيمي هو أنه أي منتج صناعي يقوم على محتوى. وفي اقتصاديات المجتمعات ما بعد الصناعية، فإن المنتج الصناعي يعني أبعد من مجرد أداة ناقلة. إذ يمكن توصيفها بأنها تشبيك، مرتكز على نموذج عمل مرن، متكامل مع المؤسسات الصغيرة ويستخدم بكفاءة عالية تقنيات المعلومات.

وإحدى سمات صناعة الثقافة هي أنها مبدعة والتخطيط لها وتطوير عملياتها ذي طبيعة مركزية. هذه الأنشطة تولد منتجات ثقافية مادية وغير مادية. كما أن صناعة الثقافة في حال تغير وتحول مستمرين، وحصة السلع غير المادية في السوق العالمية في تزايد مستمر، والسبب الأساسي الكامن وراء ذلك هو أن السوق العالمية باتت منغرسة في شبكات المعلومات. والتقدم نحو الأسواق العالمية يحمل في كنفاته الكثير من المخاطر وخاصة للاقتصاديات النامية.

وتفتح العولمة آفاقا جديدة أمام صناعة الثقافة لكونها توسع من مجالات وإمكانات الوصول إلى حصص جديدة تضاف إلى تلك المتوافرة في الأسواق المحلية. وكواحدة من سمات المجتمعات المابعد صناعية، فإن التخطيط لبناء حقول مكثفة، فمن المتوقع أن تشهد صناعة الثقافة نموا مستمرا، يرتكز أساسا على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

الهيكل الأساسي للتسلسل القيمي

ويمكن تحليل صناعة الثقافة في سياق التسلسل القيمي في نطاق قيمتها الصناعية الذاتية الداخلية أو في نطاق موقعها وتأثيرها على الحقول الأخرى. أن مصدر مفهوم التسلسل القيمي مستمد من من الجانب الاقتصادي، وهو غالباً ما يستخدم لوصف ميزات الأعمال والتنافس التي تتمتع بها.

ويمتد التسلسل القيمي لصناعة الثقافة من الفكرة الإبداعية إلى تنتشر ويتوسع نطاقها، وتتعدد نطاقات تأثيراتها، كي تصل في نهاية المطاف إلى مستخدميها بما يشمل تفاعلاتها مع الحقول الأخرى وتأثرها بها أو تأثيرها فيها. ويغطي ذلك مرحلة واسعة من الأنشطة تشمل المحطات كافة بدءا من الخلق، فالتطوير، فالرزم، وصولا إلى التسويق والتوزيع لضمان تلقيها من قبل المستخدم الأخير فردا كان أم مؤسسة. وينخرط في عمليات التسلسل القيمي هذه مجموعة من اللاعبين أو المنتجين من بينهم الفنانون ومنتجو الأعمال والمسوقون.

والخلق هو الخطوة الأولى أو المحطة الأولى في طريق التسلسل القيمي. فبناء على فكرة معينة يبدأ منتجها في تخليق النص والصور والموسيقى والصوتيات والتصاميم... إلخ. وأصحاب الأدوار الرئيسية في كل هذه العملية هم الفنانون، المهندسون المعماريون، الملحنون، الموسيقيون... إلخ.

بعد الخلق تأتي عملية التطوير، وربما يصعب الفصل بين المرحلتين والتعامل معهما على نحو مستقل، لأن عملية التطوير يجب أن تتم خلال عملية الإنتاج الكاملة في صناعة الثقافة.

يلي ذلك عملية التسويق من أجل ضمان وصول سلعة صناعة الثقافة إلى مستخدمها النهائي. والأهم من كل ذلك هو قدرة هذا المستفيد على خلق سلعة ثقافية جديدة لها قيمة قائمة بذاتها أوتخلق قيمة مضافة لها سعرها أو دورها في دورة التسلسل القيمي لصناعة الثقافة، وهذا الذي يجعل هذه الصناعة متميزة من جهة وتعتمد إلى حد بعيد على التسلسل القيمي من جهة ثانية

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1295 - الخميس 23 مارس 2006م الموافق 22 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً