بليتنا في العالم الثالث أن الإنسان لا قيمة له، والزمن لا أهمية له، فلكي يقرّ قانون نزعم أنه موجود في طيات كتبنا الصفراء والبيضاء، نحتاج إلى عقود عدة. يقال إن المجتمع الإماراتي كان يسعى لتقنين الأحوال الشخصية منذ السبعينات «والعهدة على كلام بعض الناشطات»، فهل كان الأمر يتطلب 3 عقود من الزمن لإقراره بما له وما عليه؟ وهل نحن في البحرين بحاجة إلى مدة أطول ليقر جزء من الأحوال الشخصية، ألا وهو أحكام الأسرة ؟ بعد كل هذا الجدل والشد والجذب، ليس هناك من إنجاز يذكر على أرض الواقع... يا ترى كم ستطول بنا الرحلة لإقرار قانون منصف يراعي مصالح جميع الأطراف في الأسرة؟ ربما نصف قرن آخر!
مبررات لا تقنع حتى الأطفال في رياضهم... في الإمارات تعذروا بالزيجات المختلطة بين المواطنين والأجانب، وبالتركيبة السكانية المتنوعة للدولة، وأنه كان من الصعوبة إدماج الجميع في قانون واحد، فكان من الطبيعي التمهل في إصداره.
أما في البحرين فقد حبست السلطة التنفيذية القانون في أدراجها منذ مطلع الثمانينات كما حبست كل جميل وبهي إبان مرحلة أمن الدولة، وأفاقت من نومها الطويل لتجد نفسها محرجة أمام الرأي العام العالمي، وأمام الضغوط التي تمارسها عليها الدول الكبرى في هبات موسمية... فهل يعقل أنا من ضمن أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية تخلفت 3 دول فقط في تقنين الأحوال الشخصية، والبحرين إحداها. وبعد إقرار قانون الأحوال الشخصية الإماراتي بقيت دولتان وبالأصح مملكتان... نحن والأشقاء في السعودية... وتم اليوم ترحيل القانون من سجن إلى آخر وهو سجن السلطة التشريعية، ولم ينجح أي مراقب إلى الآن في التكهن بموعد إطلاق سراحه! ونخشى أكثر ما نخشاه أن يخرج هذا القانون من سجن السلطتين وبه عاهات مستديمة عصية على العلاج كعاهات ضحايا التعذيب، ما يستدعي علاجاً وتأهيلاً طويل الأمد.
يا نواب البرلمان، أعيقوا - يرحمكم الله - صدور القانون... ليس لقناعتنا بحجة الضمانات الدستورية، بل لأنه ما هكذا يشرع قانون يمس كل فرد فينا... فلا العلماء ذوو الشأن والاختصاص أخذ برأيهم، ولا شريحة الاختصاصيين من خبراء الاجتماع والاقتصاد وعلم النفس وغيرهم. أذكر حديثاً للكبيسي أفاد أنهم في لجنة صوغ القانون الإماراتي ما تركوا جهة إلا واستشاروها، أما هنا فكل شيء محاط بالسرية والغموض. نرجو من الاخوة في البرلمان ألا يصادقوا على القانون الذي لم ينل حظه من النقاش فلربما ندخل التاريخ يوماً في إحراز لقب آخر دولة عربية وإسلامية تقنن فيها أحكام الأسرة!
أيها المعنيون بالتشريع أعيدوا النظر في حساباتكم. فقانون أحكام الأسرة ينبغي أن يقدم على سائر القوانين، والحجر الذي أهملتموه طويلاً أيها البناؤون هو حجر الزاوية...
أما أنت أيتها المرأة فلا عزاء لك... شمري عن ساعديك ساعدك الله، فرحلتك طويلة ومضنية... رحلة الإقرار وما أطولها... ورحلة التعديلات التي تطول إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
العدد 1294 - الأربعاء 22 مارس 2006م الموافق 21 صفر 1427هـ