سبق أن تناولت بدائل اقتصادية واجتماعية لموائد عاشوراء، أسميتها مشروع الإمام الحسين (الوسط، 9 يناير/ كانون الثاني 2006). الهدف من وراء ذلك هو تسليط الضوء على حقيقة غائبة عن أذهان معظمنا، وهي قدرتنا على تغيير ظروفنا بأيدينا، بدلا من إلقاء الملامة على فساد حكومي هنا وتهميش إداري هناك.
أتفق أن هناك فسادا إداريا وتهميشا وتجاهلا للكثير من قضايا المحرومين، وان أعداد هؤلاء المحرومين في ازدياد مطرد مع ما شهدته البلاد من طفرات اقتصادية في الآونة الأخيرة. ولكن محاولة الاستكانة لهذه الظروف والجلوس مكتوفي الأيدي واجتراح تخبط اقتصادي بمستوى موائد الحسينيات، لن يجدي البتة في تغيير الوضع المعيشي للناس ولا للمنجز من وعي مذهبي راهن.
ونظراً إلى حساسية الموضوع، فقد حظي المشروع بتعليقات مؤيدة للفكرة متمنية تطبيقها على أرض الواقع في القريب العاجل، والبعض الآخر انصبت تعليقاتهم على رفض الفكرة جملة وتفصيلا، واقترحت تسليط الضوء على الإسراف في الملابس والبذخ المبالغ فيه في حفلات الزواج وبناء المنازل وغيرها كبديل لأموال الموائد الحسينية. كل التعليقات، المؤيد منها والمعارض، هي محل احترام وتقدير، لأنها نابعة من حب الإمام الحسين (ع) ومخلصة لصالح المجتمع العام.
الفئة المعارضة للمشروع المقترح تبرر أن هذه الموائد هي عامل أساسي لإحياء المناسبات الدينية، وأنها ركيزة من ركائز تربية أولادنا وغرس قضية الإمام الحسين فيهم، وأنها وسيلة ناجعة لجذب الناس لحضور مجالس التعزية. ولقد حاولت قدر المستطاع اتباع طريقة علمية للبحث عن بدائل اقتصادية للموائد معتمداً على لغة الأرقام والتقديرات المعقولة التي أعطت أساسا لاستخلاص النتيجة المذكورة سابقا. بناء على ذلك، فإن اقتراح تسليط الضوء على الإسراف في بناء المنازل والملابس عوضا عن الموائد يعتبر مهمة صعبة جداً، وغير ممكنة لأن الإنفاق فيها يكون نسبيا باختلاف الأفراد وتقدير حجم الإنفاق لا يمكن له أن يكون علميا معقولا لافتقاره الدقة.
بالإضافة إلى أن ما ينفقه الأفراد على هذه الملابس والمنازل هي من أموالهم الخاصة ومطالبتهم بتقليل نفقاتهم على هذه المصارف وإنفاقها على تربية وتعليم أفراد آخرين يعد إجحافا وتعديا على حقوقهم. أما موائد الحسين فهي أموال تبرعات وأوقاف باسم الإمام الحسين، فعندما تنفق على تنمية وتطوير المجتمع من أموال الإمام الحسين فإن ذلك يعطي بعدا نفسيا مهما للمشكلة مقارنة بأموال المناسبات الاجتماعية والإسراف الفردي التي تصب في نهاية المطاف في خانة الصدقات، والفرق شاسع بين الاثنين على الصعيد النفسي للمستفيد من مشروع الإمام الحسين.
البعد الآخر لصعوبة البديل المطروح (أموال الإسراف في المناسبات الاجتماعية) فإنها على رغم صحتها نظريّاً، فإنها تشكل عائقا في مستوى التطبيق من جهة تجميع الأموال واستيفائها من الناس، أما أموال التبرعات فهي متوافرة في غير مورد وشكل.
وإذا كان لابد من الإنفاق على الموائد، فإنني اقترح أن يتم التقليل من الإنفاق الراهن بأن نقتطع نسبة معينة من مبالغ الإنفاق، ولنقل 20 في المئة مثلا، وتقوم الصناديق الخيرية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني بإنفاقها في مشروعات تنموية من قبيل البدائل المقترحة سابقاً. ومن الممكن اقتراح تشكيل لجنة مركزية تنقسم إلى لجان فرعية تقوم بدراسة ومسح ميداني مهني لاستقصاء حقيقة المبالغ والإسراف الذي ينفق في مناسباتنا الدينية في كافة المدن والقرى والمناطق، بالإضافة إلى استبانة لآراء الجماهير في أولوية الإنفاق، وللتأكد مما قلته سابقا من أننا نجترح مؤامرة اقتصادية لا تغتفر
العدد 1294 - الأربعاء 22 مارس 2006م الموافق 21 صفر 1427هـ