العدد 1294 - الأربعاء 22 مارس 2006م الموافق 21 صفر 1427هـ

دبلوماسية الحل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

رفعت الإدارة الأميركية نبرة لهجتها عقب فشل دول مجلس الأمن في التوصل الى الاتفاق على مشروع «بيان رئاسي» يتناول الملف النووي الإيراني. تصعيد اللهجة فسرته مصادر دبلوماسية أنه محاولة التفاف على الموقف الروسي - الصيني بشأن الملف. فواشنطن تراهن على عامل الوقت وتريد من مجلس الأمن التوافق على «صيغة ما» تعطيها المبرر للانفراد لاحقاً في اتخاذ خطوات تتناسب مع استراتيجيتها التقويضية في منطقة «الشرق الأوسط».

حتى الآن موسكو وبكين ترفضان التجاوب مع الضغوط الأميركية في اعتبار أن التجارب السابقة قدمت الكثير من الدروس في كيفية تعامل واشنطن مع الملفات الحساسة. فالإدارة تستهدف مصادرة الملف متذرعه بقرار أو بيان وهي لا تستطيع أن تصل إلى هذه الغاية من دون اقناع دول مجلس الأمن بالتوافق على صيغة تعطيها المبرر لاتخاذ السياسة التي ترى فيها الأسلوب المناسب لإدارة مصالحها. وإدارة المصالح بحسب القراءة الأميركية تعني وضع استراتيجية «الترغيب» و«الترهيب» في سياق تدويلي يعطي فرصة للطرف الأقوى في المعادلة في التدخل واستخدام صلاحياته ونفوذه لفرض شروطه على الأطراف الأخرى.

حتى الآن فشلت واشنطن في انتزاع هذه الفرصة بسبب تلك الاعتراضات التي تواجهها من دول المجلس التي تملك حق النقض (الفيتو). لذلك لجأت إدارة «البيت الأبيض» إلى تصعيد اللهجة حتى تضغط على الدولتين (روسيا والصين) للقبول بالحد الأدنى... والا اضطرت إلى اللجوء إلى الجمعية العامة أو الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

التهديد الأميركي لا معنى له في لغة القانون. فالغالبية في الجمعية العامة لا تلعب لمصلحة جانب واشنطن. واللجوء إلى الفصل السابع يتطلب موافقه 9 أعضاء من دول المجلس الـ 15، اضافة إلى امتناع بكين وموسكو بعدم استخدام حقهما في النقض.

القانون الدولي ليس لمصلحة أميركا ولا تستطيع استخدامه إلا إذا حققت خطوة دبلوماسية تقنع بها روسيا والصين بالامتناع عن التصويت. وهذا ما تعتبره واشنطن كافياً لتمرير الصيغة التي تريد.

حتى لو نجحت الولايات المتحدة في انتزاع السيناريو الأسوأ فانها أيضاً لا تستطيع استخدام قوة القانون بحسب مزاجها ومقاسها. فالقانون لا يعطيها حق التصرف من دون العودة إلى دول المجلس.

إذاً على ماذا تراهن أميركا في ضغوطها واستعجالها لاصدار «بيان» أو «قرار» عن مجلس الأمن؟ يرجح انها تراهن على قانون القوة ولكنها تريد تغطية القوة بالقانون الدولي قبل التهديد باستخدامها.

قانون القوة هو السلاح الأخير الذي تملكه واشنطن في حال فشلت في استدراج دول المجلس إلى التوافق على مشروع قرار يشكل اداة قانونية تتذرع بها للتهويل والتخويف كما حصل مع العراق ويتكرر يوميا ضد لبنان (القرار 1559).

الصراع إذاً يدور الآن في مجلس الأمن ودوله الكبرى بين «الاستراتيجية الدبلوماسية» التي تقودها روسيا مدعومة من الصين وبين «دبلوماسية البوارج» التي تقودها أميركا مدعومة من بريطانيا وفرنسا. وبغض النظر عن النتيجة التي ستتوصل إليها مفاوضات «الكواليس» فإن كل الطرق صعبة امام الولايات المتحدة بما فيها دبلوماسية البوارج. فاستخدام القوة لتطويع إيران لن يكون سهلاً نظراً إلى اختلاف تركيب الدولة عن حال دولة العراق.

النظام الإيراني منتخب ديمقراطياً ويتمتع بشعبية لم تكن متوافرة لدى نظام صدام حسين. وكذلك هناك ما يشبه التوافق الوطني بين مختلف المجموعات السياسية على ضرورة تأمين مصادر بديلة لإنتاج الطاقة السلمية.

هذا الاختلاف في طبيعة النظام وصلاته بالناس والمنظمات الأهلية والهيئات المدنية يعطي مناعة لقيادة طهران ويعززها بآليات دفاعية، ويمنع واشنطن من كسر الدولة من الداخل وتقويضها على غرار ما حصل في بلاد الرافدين.

المعركة إذاً صعبة على أميركا كما هي صعبة على إيران. والخاسر في حال وقوعها المنطقة كلها وتحديداً تلك المساحات التي تشكل مصدر طاقة وقوة للاقتصاد العالمي. فهل رفع الإدارة الأميركية نبرة لهجتها هو دليل على انغلاق طرق الحل الدبلوماسي ام الهدف من تصعيد اللهجة هو محاولة لتمهيد الطريق امام دبلوماسية الحل؟ هناك فترة زمنية متبقية تملك الرد.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1294 - الأربعاء 22 مارس 2006م الموافق 21 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً