عند مدخل سار المتفرع من شارع الشيخ خليفة بن سلمان تابعت عن كثب واهتمام منذ شهور عدة المرتفعات التي أقامتها وزارة الأشغال مشكورة في هذا الطريق الرئيسي الحيوي وذلك للتخفيف من سرعة اندفاع السيارات، وخصوصاً أن عدد السيارات في ازدياد مستمر، نتيجة للامتداد العمراني المتسارع وظهور أحياء جديدة في كل مناطق البحرين. على جانبي هذا الطريق قامت بيوت جديدة، فهو طريق مهم مثل باقي الطرق في هذه المنطقة التي شهدت حركة عمرانية كبيرة. لاحظت أنه بداية تمت إقامة ثلاثة مرتفعات على كل من المسارين، إلا أنه بعد شهر أو شهرين فوجئت بإزالة اثنين وبقي واحد في كل مسار! وأضيف اثنان آخران لهما أسنان حديد ولم أعرف سر ذلك، وبصفتي من الساكنين في هذه المنطقة، إذ اجتاز هذا الطريق في ذهابي وايابي إلى منزلي.
كانت هذه الأرض منذ عشرين عاماً رمالاً وكثبانا مترامية وبقايا بساتين جفت عيونها وينابيعها فأصبحت لا ترى منها الا اعجاز نخل خاوية وأرضاً يباباً من الرمال المتطايرة عند هبوب أي رياح قوية، وشهدت سنوات التسعينات تنامي الفلل والمجمعات في هذا الطريق من سار، ومن حسن الطالع أن هذا الطريق الرئيسي يقع فيه منزل مهيب يقطنه سفير أميركا وآخر سفير قطر، ولا يخطئ المرء رؤية علمي أميركا وقطر وهما يرفرفان في سماء البحرين، وكل منهما يسابق الآخر طبعاً في الارتفاع وليس في الشموخ والرفعة وتنامي النفوذ والسطوة، ودائماً يعتقد الكثير من الناس أن أعمال الحفر والرصف تعود إلى عدم التنسيق بين وزارات الخدمات المختلفة إلا أن المشهد هنا يبدو مختلفاً بعض الشيء ولا يعدو إلا أن يكون هدراً للمال العام بصورة متعمدة. إن هذا يذكرني بنكتة ظريفة سمعتها من المرحوم سفير العراق السابق لدى الأمم المتحدة في نيويورك عصمت كتاني خلال حقبة الثمانينات من القرن العشرين الماضي، وهذا السفير الفذ من الأورمة الكردية العراقية وذي التوجه العربي القومي والحس الوطني الصادق، وشهدت أروقة الأمم المتحدة نشاطه وحيويته، وكان آخر منصب له هو الأمين العام المساعد، وعرفته عن قرب وهو يمتاز بسعة أفقه وحسه الفكاهي وأسلوبه اللاذع. وان كثيراً من النكت التي يطلقها بين الحين والآخر تتعلق في معظم الأحيان بالشعب الكردي في العراق وكيف يصفونه بالسذاجة والطيبة ولا يدانيه في هذا إلا أهل الصعيد في مصر. من هذه النكات الخفيفة التي تتعلق بعمال البلدية في أحد أحياء بغداد وإهمالهم وتقاعسهم عن أداء عملهم على الوجه الأكمل، يحكى أن مفتشا في البلدية في بغداد ضبط عاملين كرديين في موقع العمل كانا ينجزان حفر عدة أمتار طولاً وعرضاً وعمقاً في الشارع ثم لا يلبثان بعد إنجاز هذا الحفر أن يردماها ثانية وتسوية الشارع الذي يستغرق أياماً طويلة من العمل الشاق، وعندما طلب منهما تفسيرا لهذا الجهد الضائع والمكلف ماليا ردا عليه بكل ثقة وأمانة وعفوية من أن هناك عاملاً ثالثاً مهمته مد كابل كهربائي في هذا الممر المحفور، إلا أنه متغيب من 6 أشهر بسبب مرضه، إلا أن اخلاصهما لعملهما دفعهما إلى مواصلة العمل بهذه الصورة.
إن الجهد الضائع والمال المهدور واضح هنا في هذا المثال، ولا أجد طرفة ذات دلالة ومغزى تنطبق على ما شاهدته بأم عيني لما حدث في شارع 13 في سار، وأنا على يقين أن سالكي هذا الطريق لمسوا ما لمست، إلا أن أحد الدبلوماسيين الغربيين القاطنين هنا قال لي إنه اعتاد سلوك هذا الطريق يومياً، وأنه ليس متبرما من تلك المنغصات العابرة وقلت له الا تتفق معي أن رقم الطريق 13 يكون مصدر لعنة وشؤم؟ وتذكرت خلال عملي الدبلوماسي في نيويورك أنني كنت أقطن في بناية ريفر تاور «برج النهر»، وخلت من رقم الدور 13 في ادوارها الأربعين. يذكر أن عامنا هذا الجاري به يوما جمعة يحمل كل منهما رقم 13
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1294 - الأربعاء 22 مارس 2006م الموافق 21 صفر 1427هـ