لست متحيزا لفقيه على فقيه أو لمفكر على مفكر، ولكن بطبيعة الإنسان يحترم صاحب الفكر الوسطي المعتدل. عندما جلست مع المرجع الديني فضل الله شعرت بمحبة الدنيا التي تقودك للآخرة. ليس هنالك حدود. يتحدث معك في الحب والجمال والشعر العذري الغزلي وكيف يقدر الانسان زوجته ويحترم الآخر. يحببك في الدنيا ويزرع فيك ثقافة الانفتاح بشعاره الجميل: لامقدسات في الحوار. يحترم المرأة ويقدس حقوقها فهو من المؤمنين بالولاية العامة للمرأة، فضلا عن مشاركتها في البرلمان. عندما ذهبت إلى بئر العبد وتوفقت لزيارة هذا السيد الأنيق والجميل صاحب الابتسامة العذبة، الجميل ثوبا وفكرا وانفتاحا شعرت ان الدنيا مازالت بخير -ولو دينيا - اخذني الوفد إلى زيارة المعاهد والمبرات. لحظت عشرات من اليتامى (سنة وشيعة) يربون فيها، وتكلمت مع بعض منتسبي المعاهد المصابين بالصمم او البكم، وبعض المكفوفين وبعضهم وصل الى الجامعة. هنا تذكرت صاحبي الجميل الذي أراد أن يهديني بعدم قراءة كتب فضل الله باعتبارها من كتب الضلال.
قلت في نفسي: ما أجمل هذا الضلال؟ ليته يتكدس في بلاد الاسلام! استوقفتني هناك مكتبة ضخمة قام السيد بتأسيسها بجوار المسجد. لمحت عشرات الكمبيوترات والكتب الاسلامية والغربية مصطفة كأنها حلة قشيبة. تفاجأت بوجود عشرات الكتب الغربية منها لايزيا برلين كتاب «نسيج الانسان الفاسد»، وكتاب حنة أرندت «في العنف» لدار الساقي، وكتاب جيلز كيبل «النبي والفرعون» وكتاب مصادر الديمقراطية للاري دايموند، اضافة الى روايات اجاثا كرستي، فضلا عن مسرحيات شكسبير إلخ. لمحت الكثير من الشباب المسلم يقرأون هناك، بل ومنهم من المسيحيين، فقلت في نفسي: ما أجمل هذا الضلال؟ بعد ذلك ذهبنا إلى قاعة ضخمة للاستماع إلى تفسير القرآن قبل مجيء السيد. في فترة الانتظار كانت الموسيقى الكلاسيكية هي سيدة الموقف، فالقاعة في هدوء تام إلا من هذه الموسيقى المهدئة للأعصاب. كانت الأيام قلائل لكني شعرت بجمالها وأناقتها. ما أجمل أن نشجع على الجمال، على الحب، على الانفتاح المتوازن. شبابنا بحاجة الى قراءة كتب السيد، منها «دنيا الشباب»، وقليل ان يحدث المسلم عن دنياه. كثير من الشباب فقدناهم بسبب هوس التعصب الديني. لا نكلمهم إلا في الحرام، وننسى أن هناك مساحة كبيرة للحلال ومساحة للإباحة، وكما ان هناك نارا هناك جنة. أتذكر قبل 18عاما طلبت مني فتاة أن أسأل عالم دين عن سياقة المرأة للسيارة. ذهبت وسألته فبان الغضب في عينيه وبانت نواجذه حتى خفت أن يخسف الله بي الأرض، وكأنني ارتكبت محرما. في فترة من فترات الحياة كان الشاب المسلم يخاف أن يسمع عنه أنه يسمع الموسيقى العادية المحللة خوفاً من الرجم والاهانة. وفي بعض مناطق البحرين إذا اقتنى رجل جهاز راديو تعرضت سمعته الدينية للتشكيك والطعن لأنه يسمع (بوق الشيطان)! وهكذا يختزل الدين في الحرام فقط، ما يعمل على خلق عقد في نفسية الإنسان المسلم، ويصبح متوترا حتى على أمه وأهله وزوجته بسبب هذا الاختزال المحزن.
أعرف شبابا تركوا الجامعة - على رغم تحملهم من السقوط في الفتن - بسبب أوضاع الجامعة، والآن يعيشون برواتب لا تسمن ولا تغني من جوع على رغم حدة ذكائهم. ومشى قطار العمر وأصبح اقران لهم في مصاف الأدمغة الذهبية وهم مكانك سر. الشباب المسلم بحاجة إلى ثقافة الحياة بدلا من ثقافة الموت. يجب أن نأخذ بيده إلى حيث الإبداع العالمي، يجب أن نخرجه من سجن القرية الشخصانية إلى القرية العالمية، فلنطلع على ثقافات العالم وايجابياته.
إن تطور العقل الديني له دور كبير في تطور الأمم والشعوب، فكلما تخلف العقل الديني تخلفت الشعوب، والعكس بالعكس. اقرأ كتاب «اليابان بعيون عربية» لمركز دراسات الوحدة العربية، لمسعود طاهر. السؤال: لماذا لا يوجد عندنا ادونيس بحريني أو شكسبير سنابسي أو ادوارد سعيد محرقي أو موسى صدر ستراوي يخرج من القرية، أو مفكر بحجم مالك بن نبي او اقتصادي بمستوى مهاتير محمد، أو كاتب صحافي بمستوى توماس فريدمان؟
اعلم ان هناك قامات معرفية وأدبية مثل محمد جابر الأنصاري وقاسم حداد الخ، لكن ذلك لا يكفي. هناك العشرات لكنهم ضائعون، إما بسبب الشرنقات المؤدلجة والمأسورة في سجون وزنزانات التأدلج، أو بسبب ضياع هذه الخامات لعدم التشجيع. كيف يمكن أن يرتفع حظ المرأة وهي تجير ضد مصالحها وتؤخذ كالبقرة من حظيرة إلى حظيرة، لتصبح طيلة العمر أسيرة ذكورية الرجل؟ متى تستيقظ من الغيبوبة وتعود لها ذاكرتها الجميلة، فتنشط ذاكرتها السيدة خديجة (ع) سيدة الأعمال الأولى في العالم قبل 1400 سنة؟ والسيدة زينب (ع) حيث الاعلام المركز؟ مسكينة هي المرأة البحرينية سيأتي زمان وتتذكر الكثير من الأخطاء التاريخية والتي منها عزلها عن التعليم فتندم على بعض المواقف. لماذا التشكيك في قدرة المرأة على عضوية البرلمان؟ اقرأ كتاب «الاداء البرلماني للمرأة العربية» لمجموعة من المؤلفين، المركز السابق. قديما قيل: الاغبياء وحدهم الذين لا يغيرون أفكارهم. الإنسان عبارة عن تراكم معرفي وثقافي فيه ثغرات يسدها بالانفتاح على الامم والشعوب والحضارات ليطور من فكره وثقافته وواقعه. أقول: عفوا... المرأة البحرينية ليست من فصيلة البقر.
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1293 - الثلثاء 21 مارس 2006م الموافق 20 صفر 1427هـ