العدد 1293 - الثلثاء 21 مارس 2006م الموافق 20 صفر 1427هـ

روسيا بين إيران وأوكرانيا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى الآن لم تتوصل دول مجلس الأمن للاتفاق على صيغة «بيان رئاسي» بشأن الملف النووي الإيراني على رغم التعديلات التي ادخلت على النص الذي اقترحته بريطانيا وفرنسا. فالخلافات لاتزال اقوى من التوافقات وتحديداً على نقطتين: المهلة التي يجب أن تعطى لطهران، ودور الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

المسألة إذاً بحاجة إلى مزيد من البحث وهناك مخاوف روسية - صينية من أن يفقد مجلس الأمن سيطرته على الموضوع في حال صدر «البيان الرئاسي» واستغلته واشنطن للانفراد بقراراتها واتخاذ خطوات تصعيدية من دون ا لعودة إلى دول المجلس.

هذه المخاوف ليست مفتعلة. فهناك الكثير من السوابق التي تؤكد مثل هذا الاحتمال. فالولايات المتحدة تستخدم دائماً القرارات الدولية غطاء لسياساتها وهي تتعمد جرجرة دول مجلس الأمن إلى موقع محدد وحين تصل اليه تنفرد بقراراتها وتعتمد سلوكا مغايرا عن السابق. لذلك تحاول موسكو وبكين تدارك هذا الأمر ومنع تكرار تلك السياسات كما حصل في موضوع العراق، أوفي شأن الرئاسة اللبنانية، أوفي مسألة التحقيق الدولي في اغتيال رفيق الحريري... وغيرها من موضوعات أخرى. فكل هذه النقاط جرى بحثها في مجلس الأمن وتم التوافق عليها بصفتها مشكلات دولية مشتركة، وحين اتخذت القرارات بشأنها تغير السلوك الأميركي وبدأت واشنطن تستغلها وتبني عليها لتمرير مشروعات خاصة مستبعدة روسيا والصين وبقية الدول من المشاركة في متابعتها أو معالجتها.

روسيا تعلم، وكذلك الصين، ان الولايات المتحدة تخطط دولياً للامساك بالملف الإيراني والانفراد بمعالجته وفق الكيفية التي تراها تصب في مصلحتها. وتدرك موسكو، وكذلك بكين، انه في اللحظة التي يصدر فيها «البيان الرئاسي» أو «القرار الدولي» تصبح أوراق الملف في يد الإدارة الأميركية وتبدأ بعزل غيرها من دول مجلس الأمن بغية الانفراد بالمعالجة وفق التفسيرات الخاصة برؤيتها.

هذه الصعوبات التي تواجهها واشنطن لاقناع الدول الأخرى في مجلس الأمن بوجهة نظرها تفسر قلق «البيت الأبيض» وصدور تلك التصريحات المتوترة من المسئولين الأميركيين بشأن الملف النووي وتهديد بوش باستخدام القوة لحماية «إسرائيل» في وقت كان سفيرها في بغداد طلب مساعدة إيران في ضبط الوضع المتدهور في العراق. كذلك يعطي القلق فكرة عن تلك الأسباب التي دفعت بريطانيا وأميركا إلى تأزيم الوضع الفلسطيني وافتعال مشكلة معتقل اريحا وتهديد «حماس» بالحصار والمقاطعة وتجويع الشعب وزعزعة استقرار السلطة.

حتى الآن لاتزال روسيا صامدة في وجه الضغوط الأميركية، كذلك يبدو أن الموقف الصيني يميل إلى تفهم مخاوف موسكو من احتمال خروج الملف الإيراني من دائرتها وذهابه بعيداً في حال تنازلت واعطت فرصة لواشنطن لفرض تصورها الخاص على أية خطوة دولية يتخذها مجلس الأمن.

الملف الإيراني مهم وخطير في حسابات روسيا الجيوبولتيكية (الجغرافيا السياسية). فهو يتصل بحدودها الجنوبية ومصالحها النفطية والاستثمارات المشتركة مع طهران. الملف أمني وسياسي واقتصادي وهو يشكل نقطة ضعف في ميزان القوة في حال خسرت موسكو الموضوع من خلال مفاوضات دولية تريدها واشنطن ثغرة لزيادة تدخلها المباشر وعزل روسيا والصين وبقية الدول من دائرة النفوذ أو التأثير.

أميركا تعلم ان المعركة الدبلوماسية على تدويل الملف الإيراني صعبة وان روسيا لن تتخلى عن مصالحها وامنها وحدودها الجنوبية بمثل تلك السهولة التي حصلت في اوكرانيا. فموسكو كما يبدو تعلمت كثيراً من ذاك الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته حين وافقت على تعديل التوازن في اوكرانيا لمصلحة الطرف الأميركي. فهذا التعديل فرض عليها سلسلة تراجعات في أكثر من موضوع يتصل بالنفط ومصالحها الاقتصادية ونفوذها السياسي في دائرة شرق أوروبا. وروسيا الآن باتت مضطرة للدفاع عن بواباتها الأوروبية بعد أن خسرت كل المواقع باستثناء بيلاروسيا (روسيا البيضاء)... حتى بيلاروسيا لم تعد مضمونة كالسابق بعد تخلي موسكو عن مصالحها ونفوذها التقليدي في اوكرانيا.

الملف الإيراني في حال تخلت عنه روسيا في صفقة دولية سيتحول مباشرة إلى مشكلة أمنية واقتصادية وسياسية تمس مصالح موسكو ودورها في منطقة بحر قزوين وتلك الدول الواقعة على شواطئه. كذلك لن تكون حدودها الجنوبية بمنأى عن سلبيات عدم الاستقرار (الفوضى البناءة) في حال استخدمت الولايات المتحدة «البيان الرئاسي» لتمرير مشروعها الخاص بذريعة تطبيق قرارات «الشرعية» الدولية.

حتى الآن لم تتوصل دول مجلس الأمن للاتفاق على صيغة نهائية بشأن إيران، ويتوقع ان تكون المعركة صعبة لأن تنازل موسكو عن الملف يعني خسارتها لموقع استراتيجي يؤثر مباشرة على أمنها ومصالحها. فهل تقاتل روسيا لحماية حدودها أم تتخلى عن الملف كما حصل وفعلت في موضوع اوكرانيا؟ كل الاحتمالات مرجحة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1293 - الثلثاء 21 مارس 2006م الموافق 20 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً