الرئيس الأميركي باراك أوباما أجرى تعديلا طارئا على جولته إلى المنطقة، وبدلا من زيارة مصر فقط وإلقاء كلمة موجهة إلى العالم الإسلامي من القاهرة، فإنه سيسبق ذلك بيوم واحد بزيارة للسعودية في 3 يونيو/ حزيران المقبل والالتقاء بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ومن ثم يغادر إلى القاهرة لإلقاء كلمته في 4 يونيو.
تغيير برنامج زيارة أوباما جاء استجابة لنصائح بضرورة البدء بالسعودية في أول زيارة يقوم بها للدول العربية... ولكن مهما كان الأمر، فإن الأنظار ستتوجه لمعرفة جوهر السياسة الأميركية الجديدة في المنطقة على أرض الواقع مقارنة مع التصريحات والكلمات التي كررها أوباما عدة مرات، وآخرها أمام البرلمان التركي في مطلع أبريل/ نيسان الماضي.
من المؤكد أن أوباما سيتحدث عن الصراع العربي الإسرائيلي وعن احترام العالم الإسلامي والحوار معه، ولكن الموضوع الأهم سينصب على إيران، ذلك أن الرئيس الأميركي أرسل إشارات داعيا إلى فتح الحوار مع الإيرانيين (بعد انقطاع للعلاقات بدأ منذ العام 1979)، وهناك من يتحدث عن إمكانية اتخاذ أوباما خطوة تجاه إيران شبيهة بالخطوة التي اتخذها الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون تجاه الصين، وذلك عندما توجه بنفسه إلى بيجين في العام 1972 والتقى بالزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، وأصدر بيانا مشتركا، متخطيا بذلك عداء بين البلدين بدأ منذ تسلّم الشيوعيين الحكم في بيجين العام 1949. واتفق الطرفان على تطبيع العلاقات والعمل على حل القضايا الخلافية (بما في ذلك تايوان) عبر الوسائل الدبلوماسية... وحاليا فإن الصين أكبر شريك اقتصادي لأميركا رغم اختلاف النظامين من الناحيتين الفكرية والسياسية.
ولكن ولكي يستطيع أوباما أن يقوم بالخطوة «الجريئة» ذاتها نحو إيران فإن الأمر يحتاج إلى «جرأة أكبر». فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أوحى بعد لقائه بالرئيس الأميركي مؤخرا في واشنطن أن تهدئة الأجواء مع الإيرانيين ومحاولة الحوار يجب أن يكون لها زمن محدود، وقيل إن الزمن ستة أشهر بعد الانتخابات الإيرانية الشهر المقبل، بحيث أن «إسرائيل» تكون في حل بعد ذلك (نهاية العام الجاري) في أن تستفز الإيرانيين عسكريا. ومثل هذا الحديث يرفضه الإيرانيون الذين لا يعترفون بالتهديد ووضع جدول زمني إذلالي، كما أن الإيرانيين يطالبون بأن تتوقف الإدارة الأميركية «فعليا» عن دعم جماعات إيرانية مناهضة (ماليا ولوجستيا وإعلاميا)، وكان هذا فحوى تصريح مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي قبل فترة وجيزة عندما اتهم أميركا بدعم جماعات إرهابية للتخريب في إيران، وتكرر الاتهام الإيراني لأميركا بشأن انفجار أمس الأول في زهدان (وقد أدانت أميركا التفجير أمس).
الخطوات الأولى التي اتخذها أوباما تعتبر نوعية، فهو سلّم ملف العلاقات مع إيران إلى وزارة الخارجية بدلا من الأجهزة السرية، وأعلن اعتراف أميركا الرسمي بالجمهورية الإسلامية ودعا إلى فتح باب الحوار... ولكن كل هذا الكلام مازال لم يصل إلى جرأة نيكسون (وهو الرجل الذي لم يكن بالمستوى المعنوي الذي يمتلكه أوباما) ولكنه - أي نيكسون - قام بنفسه بكسر الجليد بين واشنطن وبيجين... فهل يفعلها أوباما ويكسر الجليد بنفسه بين واشنطن وطهران؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2458 - الجمعة 29 مايو 2009م الموافق 04 جمادى الآخرة 1430هـ