إنني من الجانب الذي يرى فيما جرى قبل أسابيع ويجري في أسواق الأسهم الخليجية في الوقت الراهن - في الجانب الأساسي منه - مسألة طبيعية، بل لا أبالغ إذا قلت إن الكثير من المحللين توقعوها، وأنا أقصد هنا أنهم توقعوا حركة تصحيحية واسعة وليس انهياراً - قبل فترة، وربما جاءت متأخرة بعض الشيء، أي أنها كان يفترض بها أن تحدث خلال صيف العام الماضي وتستمر لبعض الشيء ثم تعاود التحسن مع نهاية العام. إلا أن تأخرها لهذا الشهر قد ضاعف مرات عدة من حدتها. لذلك يمكن القول عموماً، إن ما يجري حاليا في الوقت الحاضر أكثر من عملية تصحيح، الا أنه يتواكب لحد كبير في كل سوق مع درجة الانتفاخ الذي بلغته قبل التراخي. فعلى سبيل المثال، سوق البحرين للأوراق المالية الذي لم يتجاوز ارتفاعه الـ 30 في المئة خلال العام الماضي، لم تتجاوز خسائره طيلة هذا العام الـ 6 في المئة. ونقيس على ذلك بقية الأسواق. وبصورة عامة يمكن تعداد عدد من الأسباب لما تمر به حالياً من دورة هبوط تتراوح حدتها بين سوق وآخر. فأول هذه الأسباب زوال الجانب من الارتفاع غير الطبيعي الذي بلغته الكثير من الأسهم نتيجة المضاربات وتوفر السيولة. وثانياً، حركة التصحيح الطبيعية التي تجري في جميع أسواق العالم بين فترة وأخرى. وأهم العوامل المدعمة لدورة الهبوط هذه هي أولا كثرة الاكتتابات بمبالغ هائلة سحبت الكثير من السيولة. وثانياً الأرباح المعلنة من قبل الشركات المساهمة التي وأن جاءت جيدة ألا أن تنسيبها كعائد على الأسعار السوقية لأسهم الشركات يعطي عائداً ربما في عدد من الحالات من دون أسعار الفائدة السائدة، وثالثاً تضخيم السيولة المتوافرة من خلال الاقتراض المصرفي المرهون بنسبة معينة من الأسهم، وتبرز المشكلة عندما يكون المقترض معتمداً على دخل التحركات السعرية للأسهم المرهونة في سداد قرضه أو معيشته اليومية اعتمادا كليا، إذ يضطر لتسييلها بأي سعر. وأخيراً، فإن دورة الهبوط أن بدأت تأخذ منحنى تصاعديا بشكل هندسي - أي تضاعف الخسائر في كل منحنى- وذلك بسبب العوامل النفسية التي تزعزع الثقة بالأسواق. ومن بين هذه الأسباب والعوامل المساعدة، يتم التركيز - وأنا اتفق مع ذلك أيضا - على دور الاكتتابات الجديدة والمتتالية في الضغط على أسعار الأسهم. إن الاكتتابات العامة وأن كانت حيوية بالنسبة للاقتصاد حيث إنها تعمل على جذب المدخرات وتوظيفها في مشروعات تؤدي إلى انتعاش اقتصادي، إلا أن تتاليها وكثرتها بكميات كبيرة يؤدي على نتائج عكسية، وخصوصاً إذا ما شارك فيها صغار المستثمرين بالصورة المبالغ فيها التي شهدناها. وتشير التوقعات أن عدد الاكتتابات بلغت 24 اكتتابا في العام 2005، إذ وصل حجمها إلى 62 مليار دولار، كما تشير أيضا إلى أنها ستتجاوز الـ 116 اكتتابا في العامين 2006 و2007 ليصل حجمه إلى ما يقارب من 135 مليار. ووصل حجم تغطية الاكتتابات نحو 71 مرة من حجم الطلب الموجود.
ويلاحظ أن الكثير من الأجهزة والدوائر البرلمانية والحكومية تحركت بصورة جدية خلال الفترة الماضية تحت ضغط تصاعد صيحات المستثمرين واحتجاجاتهم، والتخوف من أن تذهب هذه الأزمة بموجة الثقة في الاقتصاد ككل وهي ما تحاول السلطات بثها في ظل انتعاش أسعار النفط، ومن ثم التحول إلى أزمة شعبية لها انعكاساتها السياسية والاجتماعية السيئة.
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1292 - الإثنين 20 مارس 2006م الموافق 19 صفر 1427هـ