أدى القمع الذي مارسته قوات مكافحة الشغب الفرنسية، إلى تحويل المظاهرات السلمية على قانون العمل الجديد، إلى جرح الكثير من شباب الجامعات، وتحولها إلى أعمال عنف، وقع أسوأها في باريس، إذ أطلق «أبطال الأمن الأشاوس» الطلقات المطاطية والغاز المسيل للدموع.
الصحافة الفرنسية تفهمت مطالب المحتجين، لأنهم من أبناء فرنسا وليسوا من الضواحي، ومطالبهم معقولة تمس مستقبلهم، لذلك واجه دوفيلبان عاصفة من الانتقادات، إذ شملت الاحتجاجات 80 مدينة. في باريس وحدها تظاهر مليون و145 ألف شخص، بحسب «فرانس برس»، بينما امتنعت الشرطة عن تقديم أي رقم للمشاركين، لتجنيب وزير الداخلية سركوزي الحرج، ولو استعانت بخبرات بعض الدول ذات الخبرة في رصد المتظاهرين، لصوّرتهم من طائرة «كونكورد»، ونشرت الصورة للتدليل على انهم لا يتجاوزون 145 شخصاً فقط! مع ذلك، تصرفت قوات «الجندرمة» بكثير من الذكاء، حين أزالت من مكان التجمع كل ما يمكن إحراقه أو رميه على رجال الجندرمة.
وسائل الإعلام الفرنسية اعتبرت مظاهرة السبت يوماً حاسماً ومصيرياً في المعركة ضد «قانون دوفيلبان»، ونحذّره أحد زعماء النقابات من أن ليس أمامه غير سحب قانونه «البايخ». وناشده زعيم المعارضة الإصغاء إلى صوت العقل وسحب «اقتراحه الذي لا يخدم الوطن»، وعدم الاستمرار في إطلاق قواته على المناطق الآمنة لتضرب (من عرض)، وملاحقة المعتصمين إلى المجمعات التجارية وترويع المواطنين والسياح الأجانب، لتلافي ما تسببه سياسته من «تهريب» الاستثمارات البريطانية والهولندية والبلجيكية من فرنسا. فهناك أصول وقواعد حتى في مكافحة أعمال الشغب، ففرنسا ليست غابة في إفريقيا، وشبابها ليسوا حيوانات كنغر!
المحتجون رفعوا شعار: «من يزرع البؤس يحصد الغضب»، فأحرجوا دوفيلبان وسركوزي، إضافة إلى تهديد النقابات بالدعوة إلى إضراب عام جديد إذا لم تسحب الحكومة القانون. دوفيلبان ركب رأسه، ورفض مطالب الشباب والنقابات والمنظمات الطلابية في الجامعات والثانويات، والأحزاب المعارضة، وأعلن استعداده لمناطحة الجدار حتى لو تحطم رأسه! فهو من السياسيين الذين لا يفكرون بعقولهم وإنما بالهراوات.
فرنسا كلها وقفت مع مطالب الشباب الناقمين على السياسة الخاطئة، ولم يجد من يقف معه غير صحافي أحمق لم يعرف قدره بعد، كان يطمح لوظيفة «كاتب» في الجمعية الوطنية منذ سنوات، وحاول استغلال هذه الأزمة لإثبات موالاته لسركوزي، فكتب يصف شباب الجامعات بـ «المخربين»، و«أعداء جمهورية فرنسا العظمى»، ودعا إلى إعدامهم رميا بالرصاص! وذهب في جنونه إلى تزعّم ما أسماه «حملة وطنية لتوزيع الورود الحمراء على قوات الجندرمة»! لكن وقع في ورطتين: الأولى ان الجندرمة خليط من أقوام شتى لا يعرفون الفرنسية، ولا تجمعهم غير «مهارة» استخدام الهراوات! فاحتار في كيفية التعبير عن حبه لهم، فبعضهم يعبر عن الحب بالأحضان، وبعضهم بطبع قبلة على الخد، وقسم ثالث بقبلة ساخنة مباشرة في الفم على طريقة بريجيت باردو! الورطة الأخرى اختيار الهدايا بصورة تضمن رضاهم: فبعضهم كان يفضل البراندي، وبعضهم يحب البان والقات، أما بعضهم الآخر فيفضل السمبوسة والآلو كباب
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1292 - الإثنين 20 مارس 2006م الموافق 19 صفر 1427هـ