العدد 1292 - الإثنين 20 مارس 2006م الموافق 19 صفر 1427هـ

التكلم مع الأعلى

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في العودة إلى الوراء... إلى ذاك المشهد الدولي الذي سبق بدء الحرب على العراق يمكن رسم اللوحة الآتية: مجلس الأمن يرفض تغطية العدوان استناداً إلى تقارير فرق التفتيش الدولية التي أكدت عدم وجود أسلحة دمار شامل. فرنسا وروسيا والصين وقفت ضد المخطط الانجلو - أميركي واعترضت على الحرب. ألمانيا وكندا وأميركا اللاتينية وعشرات الدول كانت ضد الفكرة. ملايين البشر تزاحموا للنزول إلى شوارع المدن والعواصم في العالم استنكاراً لفكرة الحرب.

مع ذلك وقعت الكارثة. وحتى الآن ترفض إدارة بوش وحكومة بلير الاعتراف بالخطأ والاعتذار عن تلك السياسة التي قوضت دولة العراق ودفعت بمجموعاته الأهلية إلى شفير الاقتتال الداخلي.

اليوم تخطط واشنطن ولندن إلى إعادة تكرار السيناريو نفسه ضد إيران وغيرها. فالإدارة الأميركية لاتزال تدافع عن قرار الحرب. كذلك كرر بلير الكلام مؤكداً أن القرار صحيح مبدئياً وهو مستعد الآن إلى إعادته في حال جرت الأمور على غرارما حصل في السابق.

السياسة إذاً من جانب بوش - بلير لم تتغير بل يرى أصحابها أن الأمور تسير وفق المخطط الذي وضع لها... وحتى الآن النتائج مرضية للضمير والمستقبل.

خطورة هذه التصريحات تكتسب أهميتها السلبية ليس لأنها تتحدث عن حادث مضى، وإنما تعطي مؤشرات لحادث يخطط لوقوعه في الفترة المقبلة. فكلام بوش - بلير عن صوابية قراراتهما عن العراق يقصد به توجيه رسالة إلى إيران وتخويفها من احتمال تكرار سيناريو 2003.

بوش - بلير الآن في وضع أفضل من السابق حتى لو كان العراق في حال أسوأ مما كان عليه في عهد صدام. فالظروف الدولية تغيرت وفرنسا التي كانت ضد الحرب في العام 2003 ليست الآن كما كان حالها آنذاك. وألمانيا تغيرت فهي اليوم تختلف عن حالها أمس في عهد المستشار السابق. روسيا لاتزال على موقفها لكنها ليست مستعدة للتضحية بعلاقاتها الدولية من أجل معركة يصعب وقفها في حال قررت مافيات (لوبيات) النفط والتصنيع الحربي خوضها. الصين أيضاً تبحث عن مكان خاص في إطار التجاذبات الدولية واقتصادها الضخم بحاجة إلى الأسواق الأوروبية والأميركية لتصريف منتوجاته. مشكلة الصين في ارتفاع حاجاتها إلى النفط بسبب نمو اقتصادها وتوسع رقعة طبقتها الوسطى الأمر الذي وضعها في المرتبة الثالثة من دول العالم في طلبه. هذه النقطة نجحت الصين في تأمين البديل لها حين وقعت اتفاقات نفطية ضخمة خلال زيارة خادم الحرمين الأخيرة للعاصمة بكين.

الوضع الدولي إذاً يلعب لمصلحة الثنائي الأميركي - البريطاني وهو على كل سلبياته أفضل لهما من الحال السابقة. يضاف إلى اختلاف التجاذبات الدولية نقطة أخرى تتصل بالمزاج الشعبي الأوروبي - الأميركي. فالمزاج أيضاً تغير أو على الأقل تراجعت حدة الاعتراضات التي كانت موجودة في العام 2003. فالشارع الذي حشد الملايين ضد الحرب يبدو أنه أقل حماساً أو استعداداً للرفض في حال قررت مؤسسات التصنيع الحربي وشركات النفط اتخاذ خطوة التصعيد باتجاه إعلان عدوان جديد.

المشكلة أن هناك ما يشبه «الاستسلام» الدولي (والعربي أيضاً). فكل القوى، بما فيها دافع الضرائب الأميركي والرأي العام الأوروبي، ترى أن إدارة المحافظين الجدد في واشنطن لا تكترث بالاستطلاعات ولا تهتم بالمواقف ولا تعير الانتباه لكل الاعتراضات التي تصدر عن جهات دولية وإقليمية وعربية. وهذا ما قاله مراراً جورج بوش في تصريحات مختلفة. فهذا المريض يعتقد أنه «كليم» وهو لا ينظر إلى تحت بل إلى فوق ولا يتحدث مع من هو أدنى منه بل ينسق مع من هو أعلى منه. بوش كرر مراراً هذا الكلام وقال في أكثر من مناسبة انه لا يبني قراراته على ما يصدر من آراء عن مؤسسات الاستطلاع. برأي بوش الناس لا تفهم لغة المصالح ولعبة الصراع لذلك فهو لا يصغي إلى ما يقولون ويركز انتباهه على المشروع المرسوم حتى لا يضيع في تفصيلات تغرقه في مشكلات وتربك حركته وقراراته وسياساته.

بوش قال أكثر من مرة أنه يراهن على المستقبل وأنه يقرأ النتائج ولا تهمه الأسباب والدوافع والذرائع. فهو يأخذ المحصلة العامة بناء على ما يعتقده هو الصواب وبالتالي فإن التقييم ليس له صلة بالحاضر بل بالأيام المقبلة.

العودة إلى الوراء تعطي الكثير من المعلومات التي يمكن من خلالها قراءة الحاضر واحتمال حصول مواجهة في ضوء تلك الفرضيات المجنونة التي تعتمد عليها إدارة تظن أنها تتلقى أوامرها من فوق.

الأوامر من فوق لا تعني طبعاً «التكلم مع الصانع» بل هي بالضرورة تعني أن الإدارة تأخذ أوامرها من مؤسسات أعلى من «البيت الأبيض»... وهذه اللوبيات باتت الآن وفي عهد «المحافظين الجدد» هي القوة الأعلى التي تملي قراراتها على الرئيس لتلبية حاجاتها بغض النظر عن رأي الشارع ومواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن وخارجه.

أميركا الآن تمر في طور امبراطوري (امبريالي) وهذا الطور هو نتاج آليات داخلية (التصنيع الحربي والنفط) باتت هي في مكان أعلى من الإدارات وبالتالي فإنها تنظر إلى العالم ساحة للصراع والتجارب... والبقاء في النهاية للاقوى. فهل هذا هو «العالم الجديد» وبالتالي يجب القبول به والاستسلام إلى شروطه ام ان هناك في التاريخ انعطافات غير محسوبة ومتوقعة؟ الأيام مداولة والزمن طويل والصراع لا يحسب بالساعات

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1292 - الإثنين 20 مارس 2006م الموافق 19 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً