العدد 1291 - الأحد 19 مارس 2006م الموافق 18 صفر 1427هـ

خراب الأوطان بيد محترفي الأزمات والاحتقان!

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

حين يتأمل المراقب في المشهد السياسي الذي تعيشه بلادنا هذه الأيام، ينتابه الخوف والقلق من النتائج التي قد تصل إليها الحوادث المتسارعة، فلقد تغيرت الأمزجة، وتبدلت الاصطفافات السياسية وفق معطيات مختلفة عما هو مألوف في هذه البلاد خلال العقود الماضية، حتى صارت قراءة الساحة السياسية في البحرين تشبه إلى حد بعيد فك الشفرات والرموز السرية، وربما الطلاسم التي تكتب بها أعمال السحر والشعوذة.

وحين تقترب من المشهد أكثر، تجد أن هناك أنواعا متباينة من الشخصيات المشتغلة والمنشغلة بالشأن العام في البحرين، من بينها من انخرط في العمل السياسي وتبنى الدفاع عن حقوق المواطنين ومصالحهم حتى لم يعد ممكنا التفريق بين شأنه الخاص والشأن العام الذي يشتغل به، في حين تجد البعض الآخر الذي فضل الانسحاب إلى إحدى زوايا الحياة الاجتماعية حتى لم تعد تراه إلا بين فترات متباعدة وفي المناسبات التي لا بد منها.

لكن ما يهمني في هذا المقال هو صنفان ممن اشتغل بالشأن العام، الصنف الأول هو أولئك الذين وجدوا أن النهج السياسي الذي اتبعوه فترات طويلة من حياتهم لم يعد متناغما مع وضعهم الاجتماعي، أو مع التزاماتهم الحياتية، وربما لم يعد يتماشى مع معتقداتهم الدينية أيضا، هؤلاء قدروا بشكل يناسبهم ما يريدون، وحددوا طريق مسيرتهم الجديدة بشكل واضح، ولم يجدوا أي حرج في أن يعيدوا بناء علاقاتهم وارتباطاتهم بحسب النهج الذي اختاروه لأنفسهم.

أما الصنف الآخر وهو اغرب أصناف العمل السياسي الذي عرفته البحرين، فهو ذلك النوع من السياسيين الذي تلتقي معه اليوم وهو زعيم تنظيم وطني متطرف في عدائه للطائفية، ثم تلتقي معه بعد أسبوع، وربما بعد يومين، فإذا بك أمام شخص طائفي متطرف، ينادي بتحشيد الطائفة التي ينتمي إليها، تارة بدعوى نشر الوعي السياسي، وتارة بحجة خلق توازن وطني، ولا يمضي أكثر من أسبوع حتى تجد هذا الصنف قد تحول إلى زعيم ديني طائفي يميني متطرف.

لقد أصبحت السمة الغالبة لهذا النوع من الشخصيات مبعثا للتوتر ونشر الاحتقانات، التي تنذر بانفجارات لا يمكن تقدير مدى الدمار والضرر الذي ستلحقه بالبلاد والعباد، وصار لزاما على كل أصحاب التوجهات السياسية الأخرى التنبه لما تشكله من مخاطر وأضرار على الوضع العام المأزوم والمتوتر بدرجة لا تحتمل أي تأزيم وتوتر آخر.

ولست هنا في وارد الدعوة إلى الحجر على الناس، أو حرمانهم من حقهم في الانتماء والتعبير، فتلك حقوق نطالب بمنحها للجميع من دون أي استثناء، لكننا نعتقد أن الجميع مطالب بممارسة الحرية المسئولة، فلقد كنت ولا أزال أعتقد أن من حق أي إنسان أن ينتهج الخط الذي يتناسب مع أفكاره ومبادئه، وأن من حق الناس عموما أن يبدلوا قناعاتهم ومواقفهم والخطوط السياسية التي ينتهجونها، مع تقديري بأن كل تغيير يحتاج إلى شروط وظروف تساهم في تهيئة المناخات المناسبة لاحتضانه وبلورته واعتماده.

ولعل تلك الاعتقادات متداولة لدى الكثير ممن انشغل واشتغل بالشأن العام، لكننا اليوم نتعرف على مفاهيم جديدة في العمل السياسي، فلقد أصبحنا نستمع في الندوات والمقابلات الإذاعية والتلفزيونية إلى مداخلات سياسية في منتهى الجمال والروعة، مداخلات هي أقرب إلى البلسم الذي يداوي الجراح الطائفية التي تئن منها بلادنا المبتلاة بالتمييز والتفرقة.

وقبل أن تكتمل فرحتنا بهذه التصريحات يكتم المساء على أنفاسنا بحزمة أخرى من التصريحات التي تتناقض تماما مع التصريحات الصباحية، فنظن بأن هناك تنافسا وتجاذبا بين خطوط وتيارات سياسية مختلفة، ونتمنى أن تنتصر لغة التآلف والحوار على لغة التأفف والاستنفار، لكننا نكاد نفقد صوابنا إذا اكتشفنا أن مطلقي هذه الشعارات هم أنفسهم من أوهمونا بأنهم المدافعون عن الحرية والعدالة والوحدة الوطنية.

أن تؤمن بالوحدة الوطنية، وتتبنى الدفاع عن الحرية والعدالة وحقوق الناس، يعني أن تنكر ذاتك وتتخلص من الأنانية وأوهام العظمة، وأن تتواضع وتتواصل مع الناس كافة من دون استثناء ومن دون حسابات المصالح الخاصة. أن تؤمن بالوحدة الوطنية يعني أن تعمل بشكل واضح وجلي على محاربة ونبذ الطائفية ومن يتبنونها، وأن تقف ضد كل من يبيعون الناس الأوهام بأهمية استنهاض الطائفة، وخلق الكتل التاريخية الطائفية لإحداث حال التوازن السياسي.

إننا نناشد أصحاب الهوى والواقعين في غرام أنفسهم أن يستيقظوا من هذا السبات المريض، وأن ينفضوا عنهم هذا الغبار الطائفي المؤذي بدرجة تفوق الضرر الذي يمكن أن يحدثه الغبار النووي، كما نطالبهم بالبحث عن فردوس الوحدة الوطنية الذي ضيعوه بهذه التصريحات من خلال التراجع عنها ونقدها والسعي إلى معالجة الآثار الضارة التي خلفتها، واحتواء التوترات والاحتقانات التي خلقتها في أكثر من مكان.

إن هذا السلوك المتناقض يدعونا إلى مطالبة أصحابه أولا بالعودة الصادقة إلى الصف الوطني، أو الإعلان صراحة وبشكل لا يقبل التأويل عن اصطفافاتهم الطائفية الجديدة البعيدة عن التلبس باللبوس الوطني، ويدعونا ثانيا إلى مطالبة جميع التيارات الوطنية الحقة التي تعرف مقدار الوجع والألم والثمن الذي دفعته البلاد نتيجة للحقن الطائفي الذي استمر سنوات إلى ممارسة دورهم في كشف وتعرية هذا النهج وكل من يسيرون عليه.

لقد ساهمت اللامبالاة وعدم الاكتراث التي مارستها الكثير من قيادات العمل الوطني حيال هذا النهج في استشرائه وانتشاره وانتقاله من حالات فردية إلى حالات مؤسساتية، ليس على صعيد العمل السياسي المتمثل في إنشاء وتفقيس المزيد من الجمعيات الطائفية، بل إن هذا المرض انتقل حتى إلى المؤسسات الصحافية التي صارت تبث الكثير من السموم الطائفية بين المواطنين.

إن استمرار هذه الحال سيقود إلى تخريب الوطن وإدخالنا إلى نفق مظلم لا يعرف أحد متى يمكن الخروج منه، لذلك فإننا جميعا مطالبون باليقظة والحذر، وعدم المغامرة بوحدة الوطن والعلاقات التاريخية التي ترسخت بين أبنائه، لإرضاء شهواتنا وأنانيتنا وحب الظهور الذي نعاني منه، وليتذكر الجميع بأن الحبال الذي يقفز عليه أصحاب هذا النهج ويمارسون من خلاله الألعاب البهلوانية يمكن أن ينقطع في أية لحظة ويودي بالوطن إلى الخراب والهاوية.

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1291 - الأحد 19 مارس 2006م الموافق 18 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً