لم يستطع «السلاح الذري» أن يجعل من الولايات المتحدة دولة إمبريالية، ولم تكن مهمة حماية «إسرائيل» مبررا في أن تكون الولايات المتحدة إمبراطورية تضرب من تشاء، إلا اننا نحن «العرب» تحديداً من سنصنع هذه الإمبريالية الجديدة، نحن من يحرك الولايات المتحدة لتكون قوة إمبريالية، لتخالف وصايا «آبائها المؤسسين»، والهاربين من إمبرياليات أوروبا العظمى.
الولايات المتحدة، ليس أمام الولايات المتحدة إلا أن تكون إمبريالية، هذه آخر القناعات التي يفرزها الإعلام الأميركي على اختلاف توجهاته بالنسبة للسياسة الخارجية. في حقيقة الأمر، لا أحد يجيب حتى اليوم على السؤال الذي وجهه «هنتنغتون» للعرب: «هل ثمة شيء يمنعكم في ثقافتكم عن الحرية والديمقراطية؟»، تلك مقدمة أولى.
المقدمة الثانية، الولايات المتحدة تختلف عن الإمبراطوريات الآفلة، إلا أنها تتفق معها في شيء واحد، هو «الرغبة في البقاء»، وهي اليوم تسير في هذا الاتجاه بقوة، بمعنى أدق، الولايات المتحدة لا تفكر - كما يقول الكاتب الجنوب إفريقي جون مايكل غوتزي - إلا بفكرة واحدة: «كيف لا نصل الى النهاية، كيف لا نموت، وكيف نمد في عمر عصرنا؟».
رابطة المقدمتين، هل ستسير الولايات المتحدة لخيار الإمبريالية؟، في الحقيقة ربما نحن من يجبرها على ذلك، هي اليوم في منطقة المفاضلة بين اللاإمبريالية والإمبريالية، وحين يخفق مشروع في قمة العقلانية كمشروع «الشرق الأوسط الكبير»، والذي هو مطابق لتقرير التنمية البشرية وتوصياته، فإنه من المنطقي أن يكون خيار حماية الولايات المتحدة من هذا الغباء التاريخي لهذه المنطقة هو محاصرة هذه البقعة التي تمنعها ثقافتها عن الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية والانتخابات.
هنا أجدها إمبريالية مبررة، وهو بالتحديد ما يدور في أروقة السياسية الأميركية هذه الأيام.
لـ PHILIP S. GOLUB «كاتب فرنسي» مقال مهم يستعرض فيه خيار النزوح الأميركي نحو الإمبراطورية بطابعها التقليدي، كما أن «سيباستيان مالابي» صاحب الافتتاحيات في واشنطن بوست كتب في صحيفة «فورن أفايرز» قائلاً: «إن الفوضى العالمية القائمة تفرض على الولايات المتحدة سياسة امبراطورية»، ويعتبر مالابي «أن الخيار العقلاني الوحيد هو في العودة الى الامبريالية، أي الى وضع دول العالم الثالث التي تهدد أمن الغرب تحت الوصاية المباشرة». ويرى مالابي أنه «وقد تبينت لا فاعلية الخيارات غير الامبريالية (...) يصبح المنطق الامبريالي الجديد من القوة الى درجة أن إدارة بوش لن تستطيع مقاومته».
ولا عبرة... هنا لمن لا يعتبر..
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1291 - الأحد 19 مارس 2006م الموافق 18 صفر 1427هـ