العدد 1291 - الأحد 19 مارس 2006م الموافق 18 صفر 1427هـ

الذكرى والذاكرة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في الذكرى الثالثة لبدء الحرب الأميركية - البريطانية على العراق نظمت مسيرات من سدني إلى لندن وصولاً إلى واشنطن ونيويورك. هذه التظاهرات أصبحت من عادات القوى المعارضة للحرب في دول الغرب وتحولت المناسبة إلى منبر سياسي تتبارى التيارات الايديولوجية في إعلان رأيها في موضوع اعتقد الكثير من الناس أنه بات من الماضي. فالكل توهم بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار المعسكر الاشتراكي أن العالم انتهى من فترة الحروب الساخنة والباردة وأن الشعوب دخلت مرحلة الحرية والازدهار والنمو.

تلك الأوهام لم تكن متخيلة فهي تضخمت بسبب تلك التصريحات الأوروبية - الأميركية التي وعدت العالم بعصر جديد بعد أن سقط «الخطر الشيوعي» ولم يعد هناك من مبرر لمواصلة سياسة السباق على التسلح. فالحاجة إلى مؤسسات التصنيع الحربي انتفت، والحروب أصبحت من الماضي. هكذا خدعت واشنطن الشعوب.

صدقت الكثير من النخب العربية هذه الأكاذيب ودخلت في منافسة ايديولوجية بشأن ما هو النموذج (الموديل) المفضل الذي يناسب مقاسات الشعوب العربية. الخدعة لم تقتصر على النخب العربية البائسة فكراً وتجربة بل انطلت أيضاً على النخب الغربية الأكثر عراقة في معارفها وتجاربها. فهناك الكثير من الكتب صدرت في تسعينات القرن الماضي تحدثت عن «نهايات» تبشر الناس بنهاية الحروب، ونهاية الايديولوجيا، ونهاية التطور، لأن الشعوب وصلت إلى مرتبة تشير إلى عدم وجود مؤشرات إلى ما هو أرقى منها.

نهاية التطور لم تكن مجرد فكرة قالها هذا المفكر الأميركي أو ذاك الياباني. كانت فكرة النهاية أشبه ببيان رسمي ينعي على البشرية إمكانات المزيد من التقدم ويبشر الناس في الآن على أن التطور مهما بلغ من درجات لن يتجاوز حدود المرتبة التي وصل إليها.

وتحت هذا السقف أيضاً يمكن قراءة الكثير من الكتب التي تحدثت عن «انتصارات» تتكلم عن انتصار الغرب، انتصار أوروبا، انتصار الحرية... إلى آخر الكلمات التي رصفت في عشرات المؤلفات.

عاش العالم فترة أمل وغرقت الشعوب في أوهام وظنت شرائح من الفئات الكسولة أن أميركا «جمعية خيرية» وانها تخلت عن سياسات التسلح وتكديس الأموال، وانها ستقوم بإعادة توزيع ثرواتها على شعوب عالم الجنوب حتى يستقر العدل ويستوي التوازن الكوني بين سكان الأرض.

فجأة انقلب المزاج الدولي حين اكتشفت أميركا أن هناك خطراً رهيباً مريعاً لا يمكن تصور الصعوبات المطلوبة لتذليلة. وهكذا انقلبت الأفكار الانتصارية التي تحدثت عن نهايات إلى سياسات تحريضية ضد العالم الإسلامي والإسلام والمسلمين.

فكرة «الخطر» الإسلامي ليست جديدة في التاريخ الأوروبي. فهناك مئات المؤلفات التي تحدثت عن هذا الخطر الذي اطلقت عليه تسميات مختلفة منذ ما قبل حروب الفرنجة وبعدها على المشرق العربي. فالفكرة قديمة، ولذلك لم يكن صعباً على الأدبيات الأوروبية - الأميركية المعاصرة إعادة تحريك الذاكرة وفتح الملفات الموغلة في قدمها لتنبيه العالم إلى هذا «الوحش» التاريخي الذي هدد سابقاً أوروبا وحضارتها وكاد أن يقوض في أكثر من مناسبة هوية القارة ودولها.

حملة التحريض ضد الإسلام والمسلمين ليست دخيلة على العقل الجمعي الأوروبي واللاوعي التاريخي لدى تلك النخب الغربية. فالحملة موجودة ولم تتوقف وانما وضعت في درجة ثانية بعد «الشيوعية». وحين أعلن موت الاشتراكية قفزت كراهية المسلم ومحاربة الإسلام والمسلمين إلى الدرجة الأولى.

هذه الاستفاقة التاريخية لعدو قديم اشتغلت عليه مراكز البحوث والدراسات التي تمولها مصانع الأسلحة وشركات النفط بقصد التنبيه إلى أن المخاطر لاتزال موجودة ولايزال العالم بحاجة إلى مزيد من الحروب وبالتالي يجب ترك أبواب مؤسسات التصنيع الحربي مفتوحة لتجهيز الجيوش والذهاب بها بعيداً إلى حيث توجد مصادر الطاقة.

انعاش الذاكرة جاء سريعاً وردة الفعل كانت أقوى من المتوقع. فالعالم الذي كان يتوقع السعادة جاء من يحرمه منها كما تقول حملة التحريض على الإسلام ولذلك كانت الاستجابة ردة فعل سلبية على طرف اتهم بالإرهاب.

إلى حملة التشويه أسهمت الأنظمة العربية المغرقة في الاستبداد في تقديم مادة طرية لتستخدمها الدول الطامحة بالحروب الطامعة بالثروات والخامات كأدوات تحريض وذرائع ايديولوجية لتغطية الغزوات التي أعادت تذكير العالم بأن عصر الاستعمار لم ينقرض وهو لايزال من الحاضر ولم يصبح من الماضي.

احتفل العالم بالذكرى الثالثة للعدوان على العراق. وهذا الاحتفال سيتحول مع الأيام إلى طقس لأن ذكريات الحروب لن تتوقف مادام العداء للإسلام يشكل مادة تحريض وتحريك للجيوش

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1291 - الأحد 19 مارس 2006م الموافق 18 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً