العدد 1291 - الأحد 19 مارس 2006م الموافق 18 صفر 1427هـ

قانون أحكام الأسرة... ملف سيظل ساخناً

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

مما لاشك فيه أن المرأة البحرينية فعلا تعاني الكثير نتيجة غياب قانون أحكام للأسرة، كما أرى أنه لا أحد يشكك في أهمية وجود قانون لأحكام الأسرة ينظم العلاقات ويحدد الواجبات والحقوق بين أفراد الأسرة، لكن لا يعني هذا بأي حال من الأحوال أن بوجود قانون لأحكام الأسرة فإن معاناة المرأة ستزول وستنتهي عندها حلقات مسلسل المعاناة، إذا لم يتبعه أو لم يسبقه أصلا إصلاح للقضاء متمثل بإرادة واعية ضمن سلسلة الإصلاحات التي يجب أن تأخذ طريقها إلى التفعيل.

وأعتقد لو أن الحكومة فعلا جادة في مسعاها الرامي إلى التخفيف من ألم ووجع ومعاناة المرأة لكانت فعلاً لجأت ومنذ زمن بعيد إلى إصلاح القضاء وهذا الأمر ليس بالصعوبة المتوقعة، ريثما الانتهاء من جدل قانون أحكام الأسرة الذي يحتاج ربما إلى ردح من الزمن للوصول إلى توافقات مشتركة وهذا بطبيعة الحال يرجع إلى تعنت الجهات الرسمية ومحاولاتها المستميتة إلى فرض القانون بالقوة متجاهلة كل ما يدور في الساحة من آراء مخالفة للآلية والمنهجية المتبعة في إقرار القانون، وعدم انصياعهم إلى آراء المجلس الإسلامي العلمائي الذي يعد من الجهات الواجب الرجوع إليها عند تقنين القوانين المتعلقة بالأحكام الشرعية.

مجلس النواب الآن هو الجهة المخولة التشريع وبالتالي مرور قانون أحكام الأسرة على مجلس النواب أمر ليس ببدعة ولابد منه، لكن من الخطورة بمكان أن يكون اعتماد مدونة القانون بصيغته الحالية بحيث لا تتضمن في بنوده ضمانة دستورية تمنع العبث أو التلاعب به في فترة من الزمن، وهذا ما أكده المجلس الإسلامي العلمائي لضمان عدم المساس بالقانون، وبالتالي المجازفة بأعراض وشرف الناس، أو عدم طرحه على المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف متمثلة في سماحة السيد علي السيستاني ما يجعله سابقة خطيرة جدا وأمراً غير مستساغ وفيه انتقاص لحجم ومكانة الرموز العلمائية في البحرين.

المؤشرات كلها تهدد بتعقد الأمور في أية لحظة إذا لم تتحقق الشروط الموضوعة من قبل المجلس الإسلامي العلمائي، وخصوصا أن المجلس النيابي الحالي بتركيبته الضعيفة يخلو من وجود المختصين وبالتالي لا يمكن لهم المساس بالقانون أو التصديق عليه وإذا ما حصل ذلك فإن هذا يدل على عدم احترام رأي العلماء الأفاضل حتى في الشأن المتعلق بهم، فما بالكم بالشئون الأخرى وهذا بحد ذاته طرح غير مقبول في الشارع البحريني الذي تعود أن يكون مطيعاً وممتثلاً لآرائهم.

التحدي الذي أطلقه بعض الرموز العلمائية حال دون تنفيذ القانون من دون التوافق عليه، وخصوصا بعد أن علم أن هناك نية لدى الحكومة بتمرير القانون عبر المجلس التشريعي وبعد أن خرج الشارع في مسيرة منددة في التاسع من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في مسيرة تعد من أضخم المسيرات التي خرجت في البحرين إذ قدر عددها بـ 150000 مواطن على أقل تقدير، وبعد الندوة الجماهيرية التي عقدت أخيراً والتي حضرها عشرات الآلاف، أعتقد أن التحدي جاء على قدر حجم الاستخفاف والتجاهل الناتجين من السلطة، إذ إن الاستخفاف بالعقول أمر مستهجن، ومرفوض، إلى جانب جرأة الحكومة بتمريرها أمراً مهماً كقانون أحكام الأسرة من دون موافقة علماء الدين قاطبة في البحرين من الطائفتين الكريمتين الشيعية والسنية، وبالتالي أعتقد أن تصعيد الوضع وكالعادة يأتي من الجهات الرسمية إذ إن الفعل لا بد له من رد فعل، فالحكومة عودتنا في جميع المواقف سواء كانت السياسية منها أو الاجتماعية أو حتى الدينية بالالتزام بالصرامة والجمود في حين أن الشارع البحريني يتسم بالمرونة وها هي هذه المرة تضرب كل الآراء المعارضة أو المخالفة لتوجهاتها عرض الحائط حتى وان كانت تمس أعراض الناس أو تتعارض مع شرع الله وهذا بحد ذاته يعد خطا أحمر ولاسيما أن المجتمع البحريني متدين ومحافظ ويلتزم بخط المرجعية العلمائية.

أعتقد أن التحدي الذي أطلق من قبل الرموز العلمائية سيأخذ طريقه إلى التنفيذ العملي فيما لو أصرت الحكومة على تمرير القانون عبر المجلس النيابي، إذ نتوقع أن يكون هناك إضراب عن العمل وعن المدارس كما أنه سيكون هناك فعلاً اعتصام علمائي وغير ذلك من فعاليات قادمة تحتج على تصرفات الحكم في محاولة إصراره على وضع قوانين وضعية تعارض الشريعة الإسلامية السمحاء، وعليه يجب عليها إعادة النظر في الموقف من جديد وتخفيف التصعيد الذي سيعقد الأمور، فليس من الصعب إلى الحكومة فعلا أن تعمل على توفير الضمانة الدستورية أو عرض مدونة القانون على المرجعية الدينية للاطمئنان إلى سلامة المواد والنصوص الموضوعة إلا إذا كانت فعلاً غير متيقنة من صحتها، كما أن عليها لا تتحسس من كل أمر يحمل لفظاً دستورياً، فإلى متى تظل الملفات محتقنة فقط لكونها تحمل ألفاظاً تمس الدستور وإلى متى سيكون حال البحرين هكذا؟ وإذا كان وضع البحرين لن يعتدل إلا من خلال تعديلات دستورية، فعليها أن تفعل ذلك اليوم قبل غد فليس من المفيد أن تضع الحكومة العراقيل تلو العراقيل أو تحاول جاهدة أن تضع العقدة في المنشار، والحل في يدها.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1291 - الأحد 19 مارس 2006م الموافق 18 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً