الشبان الذين يحرقون الإطارات ويعطلون مجرى الحياة عند مداخل القرى أو الأحياء التجارية الحيوية هم أبناء البحرين، وهم شباب مملوءون بالطاقة... وهذه الطاقة بحاجة إلى توجيه نحو ما يخدم الشباب أنفسهم أولاً، وأهاليهم ثانياً، ومجتمعهم ثالثاً.
لا يمكن فهم ظاهرة ما يجري من دون الأخذ في الاعتبار عدداً من القضايا المتداخلة في بعضها بعضاً... فالعوامل المحركة لمثل هذه النشاطات ممزوجة بجوانب نفسية واقتصادية وسياسية. والشباب الذين لا يجدون ما يلبي طموحاتهم أو يرشدهم إلى الوسائل الأكثر إيجابية يقعون ضحية لظروفهم المحيطة بهم وتتشتت بذلك طاقاتهم، بل إنها قد تعود بالسلب عليهم وعلى أهاليهم وعلى مجتمعهم من دون أن يشعروا بذلك.
بادئ ذي بدء، فإن الأعمال العنيفة التي تجري أمام أعيننا مرفوضة وغير مبررة، ولكن يتوجب علينا أن نفهم الظاهرة لكي نتعامل معها. فلا تكفي الإدانة أو التوبيخ أو التخويف من العقاب والسجن... لأن عدداً من الشباب ربما يفضل السجن، وربما يفضل الكر والفر، والركض خلف قوات الأمن ليركضوا خلفهم بعد ذلك. فبالنسبة إلى عدد من هؤلاء الشباب، فإنهم لا يرون أملاً في مستقبل واعد أمامهم، كما لا توجد لديهم وسائل للترفيه أو الرياضة أو النشاط الذي يستوعب طاقاتهم.
ولو عدنا إلى الوراء، قبل ثلاثين سنة مثلاً، فإننا سنجد أن الأحياء والقرى تنتشر فيها ملاعب كرة القدم وكرة الطائرة وكرة السلة... والنوادي مملوءة بالنشاط الرياضي والثقافي والترفيهي، وهناك من هو مشغول بالدراجات الهوائية والمسابقات التي تجرى في ساحات مفتوحة... حينها كانت التسهيلات المتوافرة بصورة عفوية أفضل بكثير مما هو متوافر لشباب اليوم، وحينها لم تكن ضغوط المعيشة كما هي الآن، ولم تكن القضايا السياسية معقدة كما هي في الوقت الراهن.
أما الآن فلدينا شباب يشعرون بـ «الغربة» عن بيئتهم، ولا يرون أمامهم إلا المزيد من المحبطات التي تتكاثر عليهم يوماً بعد يوم، فيما تزدحم الساحة السياسية بالإثارات التي تغذي الشباب بأفكار تركز فيها همهم على قضايا يجب أن يتحملها كبار القوم وليس اليافعون في العمر الذين مازالوا لم يبدأوا حياتهم العملية ولم يكملوا دراستهم الأولية.
شبابنا ضحايا للظروف الصعبة المحيطة بهم، وضحايا لخطاب يدفعهم نحو المواجهة مع قوات الأمن لتفريغ طاقاتهم بينما من المفترض أن يتصدر العمل السياسي الأشخاص الذين طرحوا أنفسهم قادة للشارع المتحرك، وان يتحملوا تبعات قبولهم تسنم هذا الموقع... ويأتي على رأس تبعات التصدي للساحة عدم التملص من المواقع التي تتطلب إرادة وتتطلب حسماً وشجاعة في طرح الموقف والثبات عليه
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1291 - الأحد 19 مارس 2006م الموافق 18 صفر 1427هـ