في حدود الساعة الثامنة من مساء الجمعة الرابع والعشرين من فبراير / شباط، كنتُ في محطة القطارات أتطلـّعُ إلى الشاشة الكبيرة التي تعلن عن مواعيد وصول القطارات. كان القطار الذي أنتظره سيصل بعد دقائق، ولذلك وقفتُ بالقرب من بوابة الواصلين في انتظار ضيفتي القادمة من نوتنغهام التي تبعد عن ليدز، المدينة التي أدرس بها، ساعتين بالقطار. كانت صديقتي حنان - مثل كثير من الطلبة البحرينيين الآخرين - قادمة من أجل السبت البحريني الكبير الذي ستشهده ليدز في صباح الغد.
لم نستطع أن نغفو في تلك الليلة، فقد كنتُ وحنان نتناقش معاً عما سيجري في الغد، ذلك اليوم المشهود الذي عملنا من أجله لأشهر طويلة. كانت أحاسيس كثيرة ومتناقضة تتجاذبنا وتكهرب أعصابنا، فقد كان الترقب يشحن ساعات الانتظار بالتوتر والتشوق. كان الخوف يبزغ من خلف أستار الظلام، ثم يليه الأمل مشعشعا بالسعادة التي يبعثها في النفوس الوجلة. كانت تلك الليلة مهرجانا من المشاعر المختلطة التي لم نجد لأغلبها تفسيرا، والتي لم نستطع سوى الرضوخ لها.
في تمام الساعة التاسعة من صباح السبت الكبير، كنتُ وصديقتي على أبواب جامعتي «ليدز ميتروبوليتان»، التي قمتُ وبطلب من اللجنة المنظمة للمؤتمر التأسيسي بحجز قاعة فيها تكفي لما يزيد على مئتي شخص، وكان سبب اختيار مدينة ليدز هو وقوعها جغرافياً في وسط الجزيرة البريطانية.
حين دخلتُ الجامعة توجهتُ من فوري إلى مكتب الأمن لأطلب منهم فتح القاعة المحجوزة للمؤتمر، وإذا برجل الأمن يعاجلني بابتسامة ودود، حتى قبل أن أتكلم: الطلبة البحرينيون؟ القاعة جاهزة لاستقبالكم... لا أدري لماذا بثت كلماته فيَّ بعض البهجة، وساعدت مخاوفي على أن تهدأ بعض الشيء.
قضيت الوقت مع صديقتي في تجهيز المكان لاستقبال ضيوفنا القادمين من مختلف المدن البريطانية، وسرعان ما تكامل أعضاء اللجنة التنظيمية وغدا المكان مثل خلية نحل، فقد توزع الشباب الناشط في كل ناحية، فمنهم من كان يعد الكمبيوترات المحمولة لتسجيل الطلبة، ومنهم من كان يجهز مغلفات العدد الخاص من النشرة الطلابية والتقويم الذي يحمل شعار الاتحاد للتوزيع. بعضهم كان يتأكد من سلامة نظام الصوت والشاشة الكبيرة المعدة للعرض، والبعض الآخر كان يعمل على تجهيز الطعام الذي سيقدم في فترة الاستراحة. منهم من كان منهمكاً في نفخ البالونات الحمراء والزرقاء والبيضاء التي اضفت لمسة جميلة على القاعة، ومنهم من كان يعلق الأعلام البحرينية وبعض الشعارات المحمسة على الحائط. وآخرون كانوا يجهزون علب الشوكولاته الفضية الصغيرة للتوزيع. كان الجو المرح السائد قد غطى على جو الاضطراب والقلق والترقب للمناسبة التي طال انتظارها، والتي لا يفصلنا عنها الآن سوى بعض سويعات.
بدأ الطلبة القادمون من مختلف المناطق البريطانية بالتقاطر، جماعات ووحداناً، كان هناك من تجشم عناء القدوم من نيوكاسل، سندرلاند، برادفورد، نوتنغهام، كوفنتري، هدرسفيلد، برمنغهام، كامبردج، ولندن. قارب عدد الحضور الـ 80 شخصاً، على رغم أنه كان من المقدر أن يحضر عدد من الطلبة يزيد على مئة وخمسين طالبا، فإن كل غائب كان له عذره. كان الحضور من الطالبات شيئا سارا ولافتا، وعلى رغم أن عددهن الإجمالي لم يتجاوز خمساً وعشرين طالبة، فإنه كان يعبر عن رغبتهن في المشاركة وممارسة حقهن الديمقراطي الطلابي.
في تلك الأثناء كان مكتب التسجيل منشغلا بتسجيل الحضور وتوزيع أرقام العضوية عليهم عبر برنامج أعده أحد الطلبة المتطوعين، إذ إن وجود رقم عضوية في المؤتمر كان شيئاً أساسياً لقبول صوت الطالب في الانتخابات التي كانت ستجرى في وقت لاحق.
و التزاماً بالخطة الزمنية، فقد بدأ المؤتمر في الساعة 11,30 صباحاً لتبدأ معه تفاصيل يوم سجله التاريخ، ولتشرق معه حقبة جديدة مشرّفة في حياة كل طالب بحريني يدرس في المملكة المتحدة.
خلال الساعات الخمس الثمينة التي احتضنت المؤتمر جرت الكثير من الأمور المهمة، ففي البداية ألقت ممثلة الجامعة كلمة قصيرة عبرت فيها عن سعادة الجامعة لاحتضان مثل هذه المناسبات، ومن ثم تمت تزكية رئيس المؤتمر علي العصفور والذي تكفّل بإدارة جلسات المؤتمر. تم من بعد ذلك التصويت على عضوية مكتب المؤتمر، والتي كانت من نصيب أربعة طلبة فازوا بأكبر عدد من الأصوات من الحضور.
بدأت جلسات المؤتمر بالتصويت على التعديلات في مسودة الدستور التي سيقوم على أساسه عمل الاتحاد، وكان ما لفت نظري من خلال الجلسات هو وعي الطلبة الحاضرين بحقوقهم كطلبة منتسبين للاتحاد. فقد كان الحضور متفاعلا في التصويت على بنود تعديل الدستور، وكانت البطاقات الزرقاء والحمراء التي تعبر عن الموافقة أو عدمها ترتفع طوال الوقت، وكان الطلبة يتناقشون ويتحاورون ويعبرون عن آرائهم بكل حرية واحترام. وخلال جلسات المؤتمر كان طلبة الوسائط المتعددة يصورون بكاميرات الفيديو باحتراف، وكذا تكفل طلبة آخرون بالتصوير الديجيتالي وخصوصا الأخ علي عبدالمحسن الذي كان يتجول في نواحي القاعة بثلاث كاميرات.
بعد الاتفاق الكامل على جميع التعديلات في مسودة الدستور، جاءت اللحظة التاريخية التي استغرقت ولادتها خمس سنوات كاملة، حين نطق رئيس المؤتمر بإعلان إشهار الاتحاد الطلابي في المملكة المتحدة رسمياً، وهنا ضج الحضور بالتصفيق وتهنئة بعضهم بعضاً. ولكن تلك اللحظة لم تعن نهاية المؤتمر بل عنت بدايته، وبداية طريق جديد من الكفاح والعمل الجاد لتحقيق الأهداف مهما بدت قصيّة. فبعد استراحة صلاة العصر جاءت إحدى أهم فقرات المؤتمر والتي قامت فيها القوائم الانتخابية بالتعريف بأعضائها وآلياتها وخطط عملها المستقبلية.
ثلاث قوائم تناوبت على المنصة، أولاها كانت قائمة الاتحاد للجميع ومن ثم البيان، وأخيراً قائمة المستقبل، وكانت هذه القوائم قد وزعت إعلاناتها منذ بداية المؤتمر، ولذلك كان من الواضح أن بعض الحضور كان قد قرر مسبقاً أي قائمة ستحصل على صوته، وأما البعض الآخر فقد ساهم العرض في صنع قراره.
بعد أن عرضت القوائم برامجها، وقامت بالإجابة على الاستفسارات، بدأ الحضور بالتصويت لقوائمهم المختارة بوضع اسم الطالب ورقمه وقائمته المرشحة في صندوق كارتوني بسيط ولكنه جميل يحمل شعار الاتحاد والمؤتمر. وبعد اكتمال عملية التصويت قام مكتب المؤتمر بتولي عملية فرز الأصوات أمام ناظر جميع الطلبة وبحضور ممثل من كل قائمة انتخابية.
في انتظار النتائج، واصل اليوم الكبير فقراته، فقد تم عرض فيديو بعنوان رقصة النجاح حاز على اعجاب الحضور، كما جاء دوري لأضيف بصمة صغيرة في هذا اليوم الحافل إذ ألقيتُ شعراً كتبتُه من أجل هذا اليوم يتناول وصف الأحلام التي تتحول إلى حقائق، كما هو حال اتحادنا الذي كان ومضة حلم يوماً ما ثم تحول إلى حقيقة ملموسة.
التكريم كان له وقته أيضاً، إذ كرمت اللجنة المنظمة عدداً من الأشخاص الذين ساهموا في إنجاح هذا اليوم، كما تم تكريم الطلبة الذين شاركوا في المسابقة الكتابية التي أقامها الاتحاد بالتعاون مع النشرة الطلابية وقسم خواطر مغترب في منتدى الاتحاد الطلابي.
وجاء وقت النتائج، وكنا قد حبسنا انفاسنا بانتظار اسم القائمة الفائزة. وأخيراً نطق مكتب المؤتمر باسم القائمة الفائزة بالغالبية المطلقة، والتي كانت قائمة المستقبل برئاسة الطالب محمد العويناتي والتي تميزت بالعنصر النسائي، وكان شعارها الخبرة والكفاءة.
ساد جو من الفرح وانهال المهنئون على أعضاء القائمة الفائزة بالاحتضان والتقبيل، وكانت الروح الرياضية واضحة عبر تهنئة القوائم المنافسة للقائمة الفائزة وتعهدهم بالعمل معاً لأجل الهدف المشترك وهو خدمة الطالب البحريني وإعلاء شأنه في الغربة
العدد 1291 - الأحد 19 مارس 2006م الموافق 18 صفر 1427هـ