ملف هذا الأسبوع من «جهينة» كان من أكثر الملفات صعوبة، نظراً إلى حساسية الموضوع المفرطة، وتعدد أطرافه وتشعبها.
«قانون أحكام الأسرة»، القضية القديمة المتجددة، والذي نبع من حاجة ملحة للنساء المظلومات، فضيّعته السياسة في دوامتها، حتى أجهضت قيمته الحقيقية، أو تكاد.
ويبدو النقاش الدائر حالياً حول موضوع قانون أحكام الأسرة، بعيداً كل البعد عن الأسباب الحقيقية التي دفعت إلى التفكير في إصداره أساساً، والحاجة الملحة لوجوده، بعيداً كل البعد عن المرأة، والأسرة، والمجتمع.
لقد أصبح الحديث عن القانون الآن، مباراة ساخنة بين أطراف عدة، كل طرف فيها يريد أن يسجل أهدافاً أكثر، وتبدو المرأة بعيدة جداً، جداً عن عمق المسألة.
لسنا بمعرض إلقاء اللوم على أحد، أو تحميل أحد المسئولية في أزمة قانون أحكام الأسرة، لكن العبرة بالنتائج، والنتيجة الواضحة أن المجتمع بنفسه، بكل أفراده، وخصوصاً النساء منهم، لا يبدو على وعي تام بأبعاد الموضوع، فالمؤيدات لم يتفهمن تماماً أسباب اشتراط الضمانات في متن القانون، والمعارضات بدين بعيدات جداً عن الضرورة الملحة لإيجاد هذا القانون.
أقول المؤيدات، والمعارضات، في محاولة لإنصاف المرأة ولو لمرة واحدة في هذا الموضوع، على اعتبار أنها ذات رأي وفكر وتوجه، وليست مخلوقاً مسكيناً ضعيفاً مظلوماً ينتظر أن يدافع عن حقوقه الآخرون، أو يتخذ عنه قراراته. ولأننا في صفحة «جهينة»، التي تحاول أن تقترب من المرأة أكثر من اقترابها من الرجل، لا رفضاً له أو انتقاصاً لدوره، وإنما إيماناً حقيقياً بدورها هي، كيف يمكن أن نعالج قضية قانون أحكام الأسرة بموضوعية وعقلانية، كان هذا هو التحدي الأكبر أثناء إعداد ملف هذا الأسبوع من «جهينة». كيف يمكن أن نغلب الموضوعية في قضية تشعبت أطرافها، وتعقدت، حتى صارت المطالبة بالحق... باطلاً.
وكانت البداية هي في البحث عما هو الحق، هل القانون حق أم باطل؟ وقد أجمعت كل الأطراف المعنية وغير المعنية، على أن قانون أحكام الأسرة هو حق، ولا خلاف على وجود قانون مستمد من الشريعة الإسلامية، ينظم شئون الأسرة، ويحفظ حقوق المرأة تحديداً في المجتمع.
سألتني إحدى الزميلات الأسبوع الماضي عن القانون، هل صحيح أنه قانون غير إسلامي وأن بنوده كلها وضعية تفرض قواعد غير إسلامية على المجتمع؟
وهو سؤال متكرر، وطبيعي بعد التصعيد الكبير للأزمة. ولأن أكثر الأصوات علواً في معارضة القانون هي لعلماء الدين، ولأن أكثر الأصوات علواً في المطالبة به هي جهات أكثر «ليبرالية» وأقل «تديناً» «في نظر الشارع». والنتيجة هي تلك الصورة النمطية للقضية في أذهان الناس، أن كل من يخاف على دينه وعقيدته، عليه أن يحارب إصدار القانون. ودخل القانون بعد ذلك في دوامة الإصدار، فرفع إلى مجلس الوزراء، الذي أقره ورفعه إلى المجلس الوطني، وأصبحت الكرة في ملعب النواب، والكل يترقب الجلسة التي يطرح فيها القانون، والتصرف الذي سيقوم به النواب حينئذ.
ما المشكلة تحديداً في قضية قانون أحكام الأسرة؟ من الضروري بمكان أن نوضح المشكلة الحقيقية جراء إصدار القانون، قبل أن نسترسل في الحكم عليه بشكل يقترب من تلك الصورة النمطية التي شرحناها آنفاً.
المشكلة، أن السبب الرئيسي لمعارضة إصدار القانون، يكمن في مطالبة المجلس الإسلامي العلمائي بإيجاد ضمانات «دستورية» للقانون، من أجل ضمان عدم تغييره في المستقبل عبر المؤسسة التشريعية. ليس الخلاف حول وجود القانون، أو مدى شرعيته، إذ ان المجلس الإسلامي العلمائي بحسب ما أعلن، لم يطلع على القانون المعروض أصلاً، ولم يعرض عليه لتحديد وجهة النظر بشأنه بعد.
المطلب الرئيسي هو إيجاد «ضمانة دستورية» للقانون، وهو مطلب يعتبره الكثيرون «عادلاً» و«غير مستحيل التحقيق» في حال أرادت الحكومة تمرير القانون.
«مطلب الضمانة» هو العقدة الحالية والرئيسية للأزمة، وهو مطلب تعددت الآراء حول إمكان تطبيقه، إلا أن مراقبين اعتبروه أمراً صعباً للغاية، إذ ان الحكومة «لا تريد أن تفتح باب التعديلات الدستورية» من خلال هذا القانون.
الضمانة إذن هي العقدة،أما القانون الذي طرح فهو قانون شرعي، بكلا شقيه الجعفري والسني، وضع على يد متخصصين من علماء الشريعة في كلا المذهبين، والقانونيين، وذوي الاختصاص. ويشهد لواضعيه بالكفاءة والاستقامة. الخلل الحالي ليس في القانون، وإنما في إجراءات إصداره.
فهمنا الحقيقي للمسألة، يبعدنا عن التفسيرات الخاطئة للقضية، والتعميمات العشوائية، والصور النمطية، حتى نتمكن من اتخاذ رأي سليم في قضية اعتبرت الأهم على الساحة البحرينية في الفترة الأخيرة. وألا نتناسى في كل ذلك أن واجبنا جميعاً، الديني والاجتماعي والأخلاقي، أن نرفض أن يقع الظلم على المرأة.
في النهاية، تحية احترام وإجلال للأم، والأب، وجميع أفراد الأسرة، في يوم الأسرة الذي يصادف الواحد والعشرين من مارس\ آذار الجاري.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1290 - السبت 18 مارس 2006م الموافق 17 صفر 1427هـ