كتبت عمودي اليومي هذا تحت عنان نبضات لأول مرة في صحيفة «أضواء الخليج» والتي أصدرها المرحوم محمود المردي في نوفمبر / تشرين الثاني 1969. كانت تصدر 5 أيام في الأسبوع وبقيت هذه الصحيفة صامدة لعدة شهور ثم توقف صدورها نهائياً خلال العام 1970 من القرن العشرين، وذلك نظراً إلى نقص الإمكانات المالية والتي من شأنها أن توفر الكوادر الصحافية المتخصصة ومعظمها لابد من جلبها من خارج البحرين. كنت أوقع هذا العمود باسم حرص وهي الحروف الأولى من اسمي نظراً إلى أني أعمل موظفاً رسمياً في دائرة الإعلام ابتداء من يونيو/ حزيران 1968 والتي يرأسها آنذاك نائب رئيس الوزراء الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة. إلا أنني كنت أكتب مقالاً أسبوعياً أدبياً إلى جانب موضوعات أخرى في مجلة «هنا البحرين» ومجلة «الأضواء» والتي أصدرها محمود المردي في العام 1965. كانت هذه الصحيفة الأسبوعية ساحة مفتوحة رحبة لكل فئات المثقفين في البحرين. تناولوا فيها القضايا السياسية والفكرية والأدبية وهموم الناس المعيشية والاجتماعية والتعليمية وقضايا الاستقلال والوحدة المنشودة بين إمارات الخليج التسع آنذاك أي: دولة الإمارات الحالية، بالإضافة إلى مملكة البحرين ودولة قطر. كان هذا الأمر هو هاجس الناس والحلم الذي طالما ظل يراودهم وهو من أهم قضايا الساعة في حقبة الستينات وإرهاصاتها السياسية المتسارعة والتي جاءت بعد إعلان بريطانيا عن نيتها سحب قواتها من المنطقة في نهاية العام 1970. كان المردي مسروراً أن يرى هذه التيارات تتصارع وتتحاور على صحيفته «الأضواء» ويبدي كل تشجيع أدبي ودعم مالي لهذه الأقلام على رغم ضيق سعة اليد لديه كان يؤمن بدور الصحافة الفاعل في تعميق الوعي لدى الناس. وأذكر قوله: إن صحيفتي هذه جاءت إلي الدنيا بولادة عسيرة... بعملية قيصرية استنفدت مني كثيراً من السعي والجهد والمثابرة حتى رأت النور. كان المردي صاحب أسلوب رشيق وصادق وموضوعي وبعيد عن أساليب الإثارة والتزويق وتجنب رفع الشعارات، واتسم أسلوبه أيضاً بقوة العبارة ونصاحتها وشفافيتها، ولم يخل أحياناً من السخرية الهادفة والإيماءات اللطيفة التي لا تحرج الآخرين أو تؤذي مشاعرهم. وظل إصدار صحيفة يومية هاجس المردي وحلمه المجنح وبقي حياً في وجدانه، وعمل بكل همة ونشاط على تحقيقه على رغم إمكاناته المحدودة وموارده المالية الشحيحة. وطبيعي ألا ترضي هذه البداية طموح المردي وظل يكافح بمثابرة وإصرار بعد اخفاقه هذا وتمثل فيما بعد في إصدار صحيفة يومية قوية فاعلة خلفا «لأضواء الخليج»، وإذ أصدر أخبار الخليج في شهر فبراير/ شباط 1976 بعد أن هيأ لها كل أسباب النجاح لذلك خرجت علينا بثوب قشيب وأصبحت الصحيفة اليومية الناجحة في البحرين وكانت البشارة الموعودة والتي حلم بها المردي طوال سنينه الطويلة. كان المردي خلالها نعم المعين لي ولزملاء آخرين في الكتابة في صحيفته «الأضواء» ثم «أضواء الخليج» و«أخبار الخليج» أخيراً وتأتي أهمية هذه الحقبة من تاريخ البحرين الحديث في أنها شهدت تحقيق استقلال البحرين الناجز وهو إنجاز كبير بكل المقاييس سيذكره التاريخ والأجيال القادمة بالوفاء والتقدير لكل من شارك فيه بدعم وسعي وطني، ويأتي على رأسها الشخصيات المهمة التي ساهمت بجهودها الخيرة والمخلصة والمتواصلة في تحقيقه. ولقد أكد مكانة البحرين العربية والدولية وتبوئها للدور الذي تستحقه وسيرها الحثيث في طريق التقدم الإنمائي والرقي الحضاري. وإن أول خيوط مسار هذه النبضات بدأ مبكراً وتحديداً في العام 1958 في رابطة طلبة البحرين في القاهرة فقد أصدرت صحيفة حائط أسبوعية مكونة من ملصق كبير نعلقه على أحد جدران هذه الرابطة وتضم أخبارنا الجامعية الخفيفة والقفشات الظريفة وهي مزدانة برسوم الكاريكاتور الذي أبدعته أنامل يد الفنان الكبير عبدالله المحرقي فهو المحرر الفني ببصماته الفنية ولولاها لأصبحت صحيفتنا جسداً بارداً لا نبض فيه ولا روح. كان هذا جزءاً صغيراً ويسيراً من عالمنا الطلابي الجميل والرحب آنذاك نحن طلاب البحرين في الجامعات المصرية.
ولا تخطئ أعيننا رؤية صدام حسين وتردده على الرابطة بين الفينة والأخرى، وكذلك اشتراكه في الرحلات التي يعد لها اتحاد روابط الطلبة العرب. وكانت إدارة الرابطة تراوح بين حزبي البعث والقوميين العرب. وكنت في منأى من الطرفين، منصرفاً كلية إلى التحصيل الدراسي والعلمي والثقافي، ومن ثم الاندماج في الحياة المصرية ولاسيما زيارة المجالس الثقافية وعلى رأسها مجلس أستاذنا عباس محمود العقاد
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1290 - السبت 18 مارس 2006م الموافق 17 صفر 1427هـ