عاد ملف مقتل هشام المنداري الذي تصفه الكثير من الدوائر الإسبانية والجزائرية بـ «المعارض المغربي» إلى دائرة الضوء، بعد أن كشفت مصادر في الحرس المدني الإسباني أن القاتل ويسمى حميد بوهادي المغربي الجنسية يقبع حاليا في أحد السجون الفرنسية.
بلاغ للحرس الإسباني عممه عبر موقعه على شبكة الانترنت ذكر «أن المتهم بقتل هشام المنداري، الذي اغتيل بطلقة رصاص في أغسطس/ آب 2004 بضواحي مدينة مالقة بالجنوب الإسباني، يوجد قيد الاعتقال بفرنسا»، وشدد على أن الجريمة مرتبطة بتصفية حسابات لها علاقة بـ «الجريمة المنظمة».
البلاغ ذكر أيضاً أن «حميد بوهادي والملقب بيت مانا هشام، أعتقل في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي في فرنسا بتهمة محاولة قتل»، وبحسب البلاغ فإن أجهزة الحرس المدني الإسباني نجحت في معرفة القاتل المفترض، «بفضل التعاون، الذي أبدته الشرطة الفرنسية والمغربية».
وبناء على التحقيق، الذي قامت به وحدات الحرس المدني الإسباني، منذ اغتيال هشام المنداري في 4 أغسطس/ آب 2004، والمتهم في عدد من قضايا النصب والاحتيال في كل من المغرب والولايات المتحدة وفرنسا والبحرين التي زور الملايين من عملتها الوطنية (الدينار) بما يعادل 350 مليون يورو، أصدرت النيابة العامة لبلدة فوينخيرولا بمالقة الإسبانية مذكرة إيقاف أوروبية ضد حميد بوهادي.
وأوضح الحرس المدني الإسباني أن «الباعث على ارتكاب هذه الجريمة مرتبط بخلاف قديم بين الرجلين، متعلق بأعمال إجرامية. فقد تمكن القاتل المفترض من خداع الضحية، واستدراجه إلى مالقة، ملوحا له بوجود صفقة مربحة. ولدى وصول المنداري إلى المكان عينه، قام بالإجهاز عليه، عبر طلقة رصاص مميتة في الرأس».
وتجري السلطات الإسبانية اتصالات مع السلطات الأمنية والقضائية الفرنسية لتوضيح الظروف الحقيقية والكاملة لهذه الجريمة، والكشف عن أشخاص محتملين آخرين متورطين في هذه القضية.
وكان هشام المنداري البالغ من العمر حين مقتله 32 سنة، قد عثر عليه مقتولا برصاصة في الرأس بموقف عمومي للسيارات ببلدة فوينخيرولا بجنوب إسبانيا، وكان متابعا في فرنسا في قضايا متعددة مرتبطة بتهريب عملة مزورة، خصوصاً الدينار البحريني، وجرى ترحيل المنداري من الولايات المتحدة إلى فرنسا، إذ دخل السجن مرات عدة، وكان من المنتظر أن يحاكم بتهمة محاولة ابتزاز أموال لرجل أعمال مغربي مقرب من القصر الملكي المغربي. وغداة اغتياله، تحدثت مجموعة من وسائل الإعلام الإسبانية عن تصفية حسابات في أوساط مافياوية، والتي كان لهشام المنداري علاقة بها.
مصادر حكومية في الرباط اعتبرت هذه التطورات بأنها تأتي لتفنيد ادعاءات بعض وسائل الإعلام الإسبانية والجزائرية، بشأن ضلوع الاستخبارات المغربية في عملية الاغتيال، للتخلص مما أسمته تلك الصحف من «معارض مزعج للنظام المغربي» ولـ «شقيقه» الملك محمد السادس باعتبار أن الهالك كان يزعم أنه ابن الراحل الحسن الثاني ومستشاره، وهو ما كذبته والدته شهرزاد المنداري، لكن وبعد التطورات الأخيرة، وبعد الكشف عن الخيوط الأولية للجريمة، تبين أن الأمر يتعلق بعمليات ابتزاز وإجرام تقف وراءها شبكات للمافيا.
وكانت زوجة هشام المنداري حياة الفيلالي المدغري من محل إقامتها في فرنسا قد كذبت اتهامات بعض من وسائل الإعلام في كل من الجزائر وإسبانيا وفرنسا، معتبرة أن زوجها لم تكن له أية «دراية بالمجال السياسي»، و«لم يكن يتمتع بأي تكوين أكاديمي أو تعليمي»، وأنه كان مدفوعا من قبل عدة أشخاص من بينهم الصحافي الفرنسي جون بيير توكوا، والمعتقل المغربي السابق علي بوريكات، والجزائري الزرهوني، إذ كانت تربطه به علاقات وثيقة.
وقالت الفيلالي في تصريحات نقلتها وسائل إعلام ناطقة باللغة الفرنسية «إن كل واحد من هؤلاء كان يسعى إلى استغلاله لأغراض خاصة».
وبخصوص الصحافي توكوا المراسل السابق لصحيفة «لوموند» في المغرب والذي سبق له أن ألف الكثير من المؤلفات التي تتناول القضايا المغربية، قالت المدغري إنه «كان يسعى إلى استغلاله في قضاياه الخاصة، إذ كان يوجه إليه أسئلة ضد البلاد (المغرب)». وأن «توكوا الوحيد الذي كان يستجيب لهشام من بين الكثير من الصحافيين الذين حاول تعبئتهم. كانوا يتجاهلونه باستثناء توكوا الذي قدم عدة مرات إلى بيتنا في مدينة ميامي بولاية فلوريدا الأميركية للالتقاء بهشام وأنا شخصيا أعرف أنه استغلني».
وقالت: «كان الفرنسي توكوا يتحرش بي، وعندما لا يكون في زيارة للمنداري في السجن كان يضغط علي وكان يريد أن أتحدث بأي شكل من الأشكال. وقد طلب من مليكة أوفقير - ابنة الجنرال الدموي المغربي محمد أوفقير - القدوم للالتقاء بي في ميامي، وقد استقرت لفترة بالقرب من بيتنا واقترحت عليّ أن اظهر في التلفزيون كما فعلت هي، وان أصدر كتابا مع هذا الصحافي على غرار ما فعلت من أجل كسب المال».
أما فيما يتعلق بالمعارض علي بوريكات فقد قالت إن هذا الأخير «لم يكن يبحث سوى عن المال، وكان يرغب في أن يجعل هشام على اتصال بعقيد جزائري وأشخاص من جبهة البوليساريو»، معربة عن اعتقادها بأن الصديقين السابقين بوريكات والمنداري ربما يكونان توصلا بأموال من الجزائر وهو سبب خلافهما». وأضافت أن بوريكات «كان يعتقد أن هشام لم يكن صادقا، وانه كان يرغب في الاحتفاظ بالمال الجزائري لنفسه وهو ما كان يقوله هشام بدوره بخصوص بوريكات، ومع ذلك فإن هذا الأخير هو الذي جعل المنداري على اتصال مع هؤلاء».
وبالإضافة إلى هؤلاء الأشخاص قالت السيدة المدغري إن محامين وصحافيين ضغطوا عليها في وقت كانت تعيل فيه رضيعا في ظروف صعبة تمثلت أساسا في الظروف المأسوية خلال الإقامة بالولايات المتحدة ومتابعة زوجها من طرف القضاء الفرنسي ومنعه من مغادرة التراب الفرنسي».
وبعد أن أقرت بأنه كان من الصعب معرفة الحقيقة من الكذب فيما يقال عن زوجها، أضافت أنه كان لهذا الأخير «علاقات ضبابية مع عدة أشخاص إذ لم يكن بالإمكان معرفة ما كان يرغب في القيام به، وما الذي كان يهدف إليه»، وبخصوص ادعاء المنداري بأنه كان مستشارا للحسن الثاني، اعتبرت حياة الفيلالي المدغري أن زوجها «لا يمكن أن يكون مستشارا لأي كان»، فكيف بشخصية مهمة في حجم الحسن الثاني، مضيفة انه «كان يمتلك جواز سفر عادي قام بتغليفه بمادة بلاستيكية تميل إلى الأحمر القاني خلافا لما ذكر عن حصوله على جواز سفر دبلوماسي مغربي»، مشيرة إلى أنه كان «يحب أن يظهر على غير حقيقته لكنه مع ذلك لم يكن ليخدع أناسا كثيرين، سوى أولئك الذين يريدون الانخداع لأن لهم مصلحة في ذلك».
يذكر أن حادث مقتل هشام المنداري كانت محط اهتمام دولي، انطلاقاً من البحرين التي عمل القتيل خلال حياته على تزوير مبالغ مالية ضخمة من عملتها الوطنية (الدينار البحريني)، مروراً بفرنسا التي كانت تتابعه قضائيا بتهم الاحتيال والنصب، وإسبانيا التي قتل على أراضيها، والجزائر التي كانت تقدمه وسائل إعلامها على أنه زعيم المعارضة المغربية في الخارج، وصولا إلى الولايات المتحدة التي سبق لها أن طردته من أراضيها بعد اكتشاف تزويره لعملات أجنبية ولإدلائه بتصريحات ضد العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني. هذا بالإضافة إلى بلده الأم الذي لم يسلم من سهام تصريحاتها.
ولأهمية هذا الشخص كان من الطبيعي أن تتعدد الجهات التي أشارت إليها أيدي المحققين الأسبان بالاتهام، والتي من بينها مافيا تبييض الأموال والدعارة.
العدد 1290 - السبت 18 مارس 2006م الموافق 17 صفر 1427هـ