في مطلع هذا الشهر أعلن أكثر منتجي طباعة الكتب وفقا للطلب (print-on-demand books) نمواً وانتشاراً في العالم، لولو.كوم (Lulu.com) عن نيته في افتتاح 5 فروع جديدة في أوروبا كجزء من سياسة الانتشار العالمية التي يزمع تطبيقها. لولو كاسم مشتق من كلمة عامية تعني شخص أو فكرة أو مادة. هذه الصناعة التي باتت تعرف بمختصرها )ذد( تدل على معنيين متكاملين هما النشر (publishing) أو الطباعة (printing) ومن ثم فهي تخاطب فئتين ممن تهمهما صناعة الكتاب: المؤلف من أجل النشر، والقارئ من أجل الاقتناء ومن ثم الاطلاع. هذه الصناعة باتت تنتشر تخيليا على الويب على نحو سريع وفطري، وفيزيائيا من خلال افتتاح منافذ إنتاج وتوزيع وبيع في الأسواق التقليدية.
والتسمية ناطقة بالمعنى الذي تحمله، فهي عبارة عن نشر أو طباعة كتب بحسب طلب مؤلفها أو قارئها اللذين بات في وسعهما، وبدرجات متباينة، التحكم في جميع مراحل إنتاج الكتاب: تصميم، نوع الحرف المستخدم في التنضيد، والورق المطلوب للطباعة، مقاسات الكتاب، والاهم من ذلك كله الكمية المطلوب طباعتها. آليات التحكم هذه مجتمعة هي التي تجعلها تخدم مصلحة هذين الاثنين: المؤلف والقارئ من دون المساس بمصالح المطبعة أو حتى الموزع، كما سنرى.
ففي سوق النشر التقليدي، يحصل المؤلف، في غالبية الأحيان، على مبلغ صغير يدفع مقدما قبل ظهور المطبوعة في الأسواق، إلى جانب المحرر. لكن كتابه لا يرى النور إلا بعد دورة عمل طويلة تستغرق في بعض الأحيان شهوراً إن لم يكن أكثر، ما يفقد موضوع الكتاب شيئا من بريقه، وبعضا من جدة الموضوع الذي يعالجه، كما يفقد القارئ الكثير من متعة الاسبقية في متابعة الموضوع الحائز على اهتمامه.
بخلاف ذلك، تسمح شركة لولو لمؤلفي كتبها بنشر مخطوطاتهم لحظة انتهائهم من إنتاجها الذي لا يستغرق أكثر من أيام معدودات في أسوأ الحالات، ولزوارها بنقل ملفات الكتب المخزنة على الموقع، من دون الحاجة إلى طباعة عدد كثير من النسخ بشكل مسبق يتحول إلى عبء مالي في حال عدم رواج الكتاب لأي سبب كان. والاهم من ذلك كله اختصار دورة الإنتاج من خلال الاستغناء عن بعض مراحلها، مثل تحضير الأفلام أو إعداد ألواح الزنك، أو تقليص فترتها الزمنية من خلال خفض كميات الطباعة على سبيل المثال لا الحصر.
ولن تستغني لولو عن منافذ بيع كتبها، إذ سيتم فتح منافذ البيع تلك على مراحل أولها سيكون في ألمانيا، ثم فرنسا، وإيطاليا، فاسبانيا، وأخيراً هولندا. ويصل عدد الكتب التي تطبعها لولو إلى ما يزيد على 1000 كتاب في الأسبوع. ويفوق هذا العدد ما تنتجه عشر من كبريات دور النشر التقليدية في الولايات المتحدة.
وقد تنوعت خدمات مثل هذه المواقع وتطورت أشكال الخدمات التي تقدمها. فموقع http://www2.>ibris.com/. على سبيل المثال يتيح للمؤلف إمكانات التحول إلى ما يشبه دار النشر المتكاملة بدءا من تحرير النصوص، مرور بتصميم الصفحات الداخلية، انتهاء بالجوانب الفنية المتعلقة بالغلاف.
ويبيح الموقع للمؤلف أن يختار بين 3 أنواع من الخدمات هي:
- الخدمات الأساسية: وهذه تبيح الحدود الدنيا التي تتيح للمؤلف التحكم في الشكل النهائي لكتابه، فعلى المؤلف اختيار أحد التصاميم المعدة بشكل مسبق سواء لمتن الكتاب الداخلي أو الغلاف الذي يصدر بغلاف ورقي تقليدي. وهي أرخص الخدمات، إذ لا تتجاوز الكلفة 500 دولار أميركي للكتاب الواحد.
- الخدمات المهنية: وهي التي تضع المؤلف وراء مقود القيادة، وتسمح له بالاختيار بين عدد أكبر من التصاميم المعدة سلفا من تلك المتوفرة في الخدمات الأساسية وإضافة بعض التغييرات المحدودة فيها. كما في وسع المؤلف إضافة الجداول وكذلك الكشافات في نهاية متن الكتاب. كما يحق له أن يصدر الطبعة في غلاف ورقي تقليدي، أو غلاف كرتوني. وتبلغ كلفة الإنتاج 900 دولار أميركي للكتاب الواحد.
- خدمات بحسب الطلب: وهي الخدمة التي تبيح للمؤلف أقصى أشكال التحكم في تصميم كتابه، فإلى جانب تلك الخدمات المتوفرة في الخدمة المهنية، بوسع المؤلف هنا مخاطبة مصمم شركة إكسبرس (Xlibris) على نحو مباشر من أجل الاتفاق معه على التفاصيل، من أجل المزاوجة بين ملكة الإبداع لدى المؤلف والخبرات الغنية التي بين يدي العاملين في الشركة.
من بين تلك المواقع التي توفر مثل هذه الخدمات موقع و2ه2، وهو غير تقليدي على كل الصعد، وهو مشروع موسوعي يقوم بتغذيته مبدعون من كل أرجاء المعمورة . أطلق المشروع في شهر أبريل/ نيسان من العام 1999، وتتولى هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) منذ العام 2001 إدارته وتشغيله كجزء من خدمات الإبداع الإلكترونية.
أجرى هذا الموقع البريطاني مقارنة بين كلفة طباعة الكتب التقليدية وتلك التي تعمل بحسب مقاييس الطباعة بحسب الطلب، فمن المتعارف عليه في الطباعة التقليدية أن يتم إنتاج عشرات الآلاف من النسخ كي تتحقق الجدوى الاقتصادية )المعيار هنا للأسواق الدولية وليس العربية(. وتصل الكلفة إلى نصف دولار للنسخة الواحدة، أما إذا تناقصت عدد النسخ إلى 200 نسخة مثلا فترتفع كلفة النسخة إلى 5 دولارات للنسخة الواحدة. أما بالنسبة إلى الطباعة أو النسر بحسب الطلب فتتراوح الكلفة بين 4 و 10 دولارات وفقاً لمواصفات الكتاب الفنية.
ربما تكون كلف الطباعة متقاربة، لكن التوفير، ومن ثم خفض الكلفة على المؤلف والقارئ معا، يبدأ عندما تختفي كلفة التخزين، وعدم وجود نسخ تالفة أو مرتجعة ناهيك، عن الأرباح المضافة لتغطية كلفة التوزيع ومنافذ البيع بالتجزئة. وجميعها ضرورية وكلفتها باهظة في صناعة الكتاب التقليدية، وغير واردة في حسابات الطباعة عند الطلب أو بحسب الطلب.
ولكي ندرك آفاق الطباعة بحسب الطلب وتأثيراتها على صناعة الكتاب ننقل ما نشره موقع هيئة الإذاعة البريطانية الذي نشر خبر توسع لولو على لسان شخص في الخمسين من عمره من كندا، إذ قال » نحن ننتزع صناعة النشر من احتكار النخبة، ونشرع مجالاتها الواسعة أمام آلاف المؤلفين الجدد، عن طريق جعل نشر الكتاب قريباً جداً من كتابة اليوميات البسيطة التي بوسع أن يدونها شخص عادي.« ويضيف قائلاً »بوسعك الآن نشر أي شيء متوفر على قرصك الصلب، سواء كان ذلك كتابا، أم أنية، أم صورة، أو تقويم، أو حزمة صغيرة من البرمجيات.« ذلك ما ستضعه لولو بين يديك.
مضيفاً إلى ذلك شهادة دونها كارل سيمرلورث مؤلف كتاب عادات الغضب. (Carl Semmelroth, author of The Anger Habit)، إذ قال »أنا الآن بصدد تدشين مهنتي الثالثة، كمؤلف تنشر أعماله. أول كتاب لي نشرته على موقع آي يونيفيرس (iUniverse) الذي بيعت منه 14 ألف نسخة حتى الآن. لكني الآن على أبواب توقيع لإصدار 3 كتب جديدة مع أحد دور النشر التقليدية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1289 - الجمعة 17 مارس 2006م الموافق 16 صفر 1427هـ