تتوجه الأنظار إلى مجلس النواب ، والموقف الذي ستخذه الأعضاء حيال قانون الأحكام الأسرية. ويرى كثيرون أن القراءات الحالية تدلل على أن القانون سيمر نظرا إلى التركيبة الحالية لمجلس النواب والتي تبدو أنها ستعمل على تمرير القانون. وهناك من يرى أن الحكومة تعمدت تمرير القانون في هذا الوقت، على رغم أن مجلس النواب على أعتاب إنتهاء دور الانعقاد الثالث، وعلى رغم أن المجلس لايزال يناقش رزمة من القوانين لتضمن صدوره بالصورة الحالية.
وتلوح في الأفق مخاوف من تمرير القانون من دون عرضه على ذوي الاختصاص من العلماء من الطائفتين الشيعية والسنية، لا سيما الشارع الشيعي الذي أعلن رفضه تمرير القانون بصيغته الحالية من دون وجود ضمانات دستورية لعدم تغييره مستقبلا من دون الرجوع إلى أصحاب الشأن أو المرجعية العليا. ولعل المسيرة الجماهيرية وتوقيع أكثر من 20 عالما شيعيا على عريضة في مجلس السيد جواد الوداعي أزالت كل التكهنات التي كانت تشير إلى أن الأطياف الشيعية غير متوافقة على رفض القانون، وجاءت العريضة لتبدد هذه التكهنات وتؤكد رفض الشارع الشيعي بأطيافه لتمرير القانون.
وتنبأ بعض المراقبين للساحة المحلية بأن الحكومة ستسعى إلى تمرير قانون الأحكام الأسرية السني عبر مجلس النواب، وسيتم التريث والتوافق بشأن القانون الشيعي، إلا أن الحكومة وضعت حدا لهذه التوقعات وألقت الكرة في ملعب مجلس النواب حينما أحالت القانونين الشيعي والسني ومررتهما بالموافقة ولم يبق إلا أن يمر من مجلس النواب. ويبدو أن بعض النواب لم يخفوا تخوفاتهم من تمرير القانون في حال وجود طرف رافض له، وأكدوا أن ذلك من شأنه أن يحدث شرخا بين الثقة في الشارع البحريني، بل إنه سيضعف القانون. وعلى رغم أهمية وجود القانون نظرا إلى تردي أحوال الأسرة البحرينية، وتأخره كثيرا، فإن الدعوات تصب في صالح التريث وعدم الاستعجال. كيف سيتعامل النواب مع واحد من أخطر الملفات؟ ولماذا أحالت الحكومة القانون على النواب على رغم انغماسهم في قوانين لما تناقش بعد؟... «الوسط» تحاول استشراف الوقائع من خلال هذا الاستطلاع مع مجموعة من النواب.
ضمانات بعرض القانون على العلماء
يبدأ النائب فريد غازي الحديث بقوله: «بصفتي القانونية، ولأنني درست معظم قوانين الأحكام الأسرية في الوطن العربي وأقربها في دولة الكويت، وكنت على مقربة من كل ما جرى من تعديل في قانون الأحوال الشخصية في جمهورية مصر العربية، وعايشت مشكلة العوائل البحرينية في أروقة المحاكم، فأنا من أشد المؤيدين لوجود تقنين لقانون الأحكام الأسرية في البحرين». ويقول:«إن تقنين قانون الأحكام الأسرية يأتي بهدف وضع الأطر القانونية التي من شأنها أن تحمي العائلة وترسي الحقوق وفقا لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة».
ويؤكد غازي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي لهذا القانون، وكل الضمانات الدستورية والقانونية تؤكد على ضرورة وجود هذا القانون وفقا للمبادئ السامية للشريعة الإسلامية وهذا ما أجمع عليه الجميع من رجال دين وثقافة وفكر وما أكده جميع أعضاء السلطة التشريعية والتنفيذية.
وبشأن ضرورة وجود القانون في البحرين، يشير إلى أن القانون تأخر قرابة ربع قرن، وكان من المفترض أن يطبق منذ فترة طويلة، والمجتمع المدني يناقش ويطالب بصدور هذا القانون، ومن الخطأ الاعتقاد بأن قانون الأحكام الأسرية هو وليد السنوات الأخيرة ومطلب لهذه السنوات فقط، بل إنه تأخر كثيرا والمجتمع المدني يطالب بتنفيذه نتيجة لتعقد الأحوال في الأسرة البحرينية.
وعن توقعاته فيما يتعلق بتمرير القانون عبر مجلس النواب يقول غازي: «أنا من المؤيدين لتمرير قانون الأحكام الأسرية فورا ومن دون أي تأخير، ولكن نؤكد في الوقت ذاته ضرورة تصديق رجال الدين عليه».
وفيما إذا كان القانون سيتسبب في أزمة خصوصا لدى الشارع الشيعي المعارض لتمرير القانون، يشير النائب فريد غازي إلى أن قانون الأحكام الأسرية لن يمرر سواء أكان للمذهب الشيعي أو السني قبل أن يتراضى عليه علماء الدين من الطائفتين، وسنحاول أن يكون هناك إجماع على القانون.
ويواصل «القانون بعد أن يحال على اللجنة التشريعية بحسب مساره القانوني، فإننا سنجتمع من دون أدنى شك برجال الدين ونأخذ برأيهم وسنسعى لتقريب وجهات النظر من أجل الموافقة القانونية، وما سيقولونه وينتهون إليه فلن نغير فيه شيئا، وسيخرج كيفما يرتضيه رجال المذهبين، وهذه ضمانة أؤكدها أمام الرأي العام وأمام من سنجتمع معهم».
الحكومة تعمدت إحداث وقيعة!
يشير النائب الشيخ عبدالله العالي إلى أنه توقع تمرير القانون عبر مجلس الوزراء إلى النواب، وبين أن مواقف النواب الحقيقية من قانون الأحكام الأسرية ستتبين خلال نقاشه في الأيام القليلة.
ويرى العالي أن الحكومة تعمدت تمرير القانون في هذا الوقت، وعلل ذلك بأن الحكومة تسعى إلى تمريره عبر التركيبة الموجودة حاليا في مجلس النواب والتي قد لا تكون حاضرة في المجلس الجديد، والهدف من ذلك هو إخراج القانون بالصورة الحالية. من جهته، يشن النائب الأول لرئيس مجلس النواب عبدالهادي مرهون هجوما على الحكومة متهما إياها «بإحداث وقيعة تحت قبة البرلمان، من خلال العمل على ترجيح كفة طرف على طرف آخر خصوصا أن المجلس على مشارف انتهاء دور الانعقاد الثالث، ومثل هذا القانون سيأخذ حتما وقتا كبيرا من النقاش والحوار وذلك على حساب القوانين المنظورة في المجلس وما أكثرها وهذا كله يجرنا إلى الاعتقاد بأن الحكومة تقصد الوقيعة وإلا ما معنى طرح القانون الكبير والجدلي في هذا الوقت بالذات».
ويقول مرهون: «نحن سندعو إلى التوافق على القانون قبل تمريره، فليس من المعقول أن يمر بالغالبية لتوفرها عند طرف وخلوها من طرف آخر، وندعو بقوة أن يأخذ رأي علماء الشرع جميعا في هذا القانون لأنهم طرف أساسي بل انهم المختصون والمعنيون إلى جانب الاختصاصيين في القانون، ولا نفضل أن يمر القانون عنوة ولابد أن يأخذ حقه من المناقشة المستفيضة وإن طالت». وعند سؤاله فيما إذا كان يقصد بما صرح به الاعتراض على القانون، يجيب «نحن مع تقنين قانون الأحكام الأسرية وذلك لمواجهة الفوضى في المحاكم الشرعية، والقصور على ألا يتناقض هذا التقنين مع أحكام الشريعة الإسلامية وأن يحقق بالضرورة التوافق على القانون».
في السياق نفسه، يشير النائب غانم البوعينين إلى أن قانون الأحكام الأسرية من أكثر القوانين صبغة بالشريعة من القوانين الأخرى، فقانون الأحوال الأسرية يتعلق بالزواج والطلاق وغيرهما من الأحكام الشرعية، وهناك من يؤيد هذا القانون ومن يعارض وذلك لإفساح المجال للقاضي المجتهد لإعطائه الحرية في اختيار الحالات لأن الحالات ليست ثابتة، وبالتالي لا يمكن إعطاء حكم ثابت للحالات المتعددة.
النواب لا يملكون القدرة على إبداء الرأي
ويقول: «كوننا أعضاء في السلطة التشريعية، فلو عرض القانون علينا، فمن رأينا أن يبدي أصحاب الشأن من الطائفتين لان غالبية النواب، مع احترامي لهم، لا يملكون المقدرة على إبداء الرأي في هذا القانون». ويستطرد «المهم هو عدم الاستعجال في إعطاء الأحكام، وهذا كان رأي مفتي مصر الذي أشار إلى أنه لا مانع من التريث في قانون الأحكام الأسرية، فمشروع بهذه الخطورة يجب أن يأخذ مداه في تداول المختصين وهم العلماء والفقهاء و يجب إعطاوه المدة الكافية لإنجاحه».
ويواصل «هناك تخوف في حال تمرير القانون في حال اعترضت طائفة عليه، فإن ذلك هو إضعاف له لا قوة، والخيار الأفضل هو التريث بدل التسرع والوقوع في الأخطاء، ولابد لنا أن نؤكد هنا أن الخلل ليس في القضاء الشرعي، بقدر ما هو خلل في المحاكم، فلا تستطيع وضع اللائمة على القضاء الشرعي إذا ما حدث تراكم في القضايا، فالخلل هو في نقص المحاكم الشرعية». من جهته يعتقد النائب محمد حسين الخياط بأن من المفترض ألا يعرض القانون على مجلس النواب «لأن السبب بسيط وهو ألا أحد من النواب يعرف شئيا عن هذا القانون، فالنواب ليسوا فقهاء ولا علماء، ولكن المشكلة إذا ما تم تمريره من الناحية القانونية». ويتوقع الخياط أن يمر قانون الأحوال الأسرية بسهولة في ظل وجود التركيبة الحالية في المجلس.
طرفان في قانون الأحكام الأسرية؛ دعاة إلى التعجيل نظراً إلى اوضاع كثير من الأسر ودعاة إلى التعجيل في تمريره نظرا لتردي أوضاع الأسرة البحرينية. والقضايا في المحاكم الشرعية خير دليل على ذلك إلى جانب ضرورة وجود ضمانة للمرأة البحرينية وسند قانوني يحمي حقوقها ويصونها... وهناك طرف يرى أهمية القانون، ولكن بضمانات دستورية لتجنب تغييره في المستقبل من دون عرضه على المرجعية العليا. ولعل هذا الانقسام واضح في مجلس النواب نفسه، فهناك من يدعو لعرضه على العلماء والفقهاء، وهناك من ينتظر الفرصة للتصويت على تمريره... ونبقى ننتظر مع المنتظرين
العدد 1289 - الجمعة 17 مارس 2006م الموافق 16 صفر 1427هـ