العدد 1289 - الجمعة 17 مارس 2006م الموافق 16 صفر 1427هـ

هل ستنجح الدولة في تطبيق برنامج «العدالة الانتقالية»؟

ملف «ضحايا التعذيب»... خمس سنوات من الوعود لتعويضهم (2)

خمس سنوات مضت منذ البدء بالحديث عن ضرورة تعويض ضحايا انتهاكات حقوق الانسان في انتفاضة التسعينات، ولكن على ارض الواقع لم يتحقق شيء. فالحكومة حاولت تهدئة الامر من خلال المساعدة لاحقاً في انشاء مركز الكرامة التابع للجمعية البحرينية لحقوق الانسان، كما كانت هناك محاولات صامتة لتعويض بعض الضحايا، الأمر الذي استثار النائب جاسم السعيدي، وعلى أساس ذلك تقدم باقتراح مضاد لتعويض ضحايا الارهاب، قاصداً بذلك الضحايا من قوات الأمن الذين سقطوا قتلى اثناء الاصطدامات في حقبة التسعينات.

الصمت المستمر، والتأجيل، وعدم مواجهة الامر بصراحة ربما سيصل الى نهايته مع توقيع العهدين الدوليين، ومع التزامات الحكومة أمام اتفاق مناهضة التعذيب الذي وقعته واعتمدته العام 1998، وهو الاتفاق الذي يؤسس أيضاً لتعويض ضحايا التعذيب.

البحرين بدأت الاحتفال باليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب في 26 يونيو/ حزيران 2001، ولكن منذ ذلك الحين لم يتحرك الملف إيجابياً على ارض الواقع. وفي هذه السلسلة، نتناول المراحل التي شهدتها المطالبات بتعويض المتضررين، والجوانب التوثيقية في هذا الشأن:

«اللجنة الوطنية» تبدي استغرابها

كان موقف اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب طبيعياً حينما استغرب من رد نشرته دائرة الشئون القانونية في رئاسة مجلس الوزراء المنشور أمس في الصحف في خريف العام 2003، فقد تمكنت اللجنة من جمع تواقيع 33 ألف متضامن من أبناء البحرين مع المطالب المرفوعة ناشدت حلولا عادلة ومنصفة طبقا للدستور والميثاق والقوانين والمعاهدات الدولية، ولم تطالب - بأية صيغة - بإلغاء مرسوم العفو الشامل رقم 11 لسنة 2001.

وشددت اللجنة وقتذاك على أنه لا أحد يريد العودة إلى المربع رقم واحد، وأن طلبها كان واضحا وصريحا وهو إلغاء المرسوم التفسيري رقم 56 لسنة 2002 المخالف للحريات والحقوق التي كفلها الدستور والمواثيق الدولية من جهة، ولتعارضه مع مرسوم العفو الشامل رقم 10 من جهة أخرى.

فاللجنة ترى أنه لا صلة تربط بين ما جاء به مرسوم 10 وبين مرسوم 56 الذي يفسر الأول، وأن قانون العفو الشامل لم يكن غامضا حتى يفسر وجاء نصه واضحا في أن المشمولين بالعفو هم الموقوفون والمتهمون والمحكومون فقط ولم يلحق بالنص ما يدل على شمول مرتكبي جرائم التعذيب بالعفو.

في فبراير/ شباط العام 2003، تقدم محامون بالوكالة عن 8 اشخاص بشكوى إلى النائب العام ادعوا تعرضهم للتعذيب الجسدي والنفسي لدى ادارة مباحث أمن الدولة في فترة التسعينات من القرن الماضي. وتبين من فحص الشكوى ان جميع الاشخاص الثمانية - سالفي الاشارة - سبق ان قدموا للمحاكم الجنائية عن ارتكاب جرائم اشعال الحريق واتلاف المباني والاملاك العامة والخاصة واستعمال القوة والعنف مع رجال الشرطة.

وقد حضر مع كل منهم محامي، وادعى ثلاثة من الشاكين امام المحكمة انهم تعرضوا للضرب فأمرت بعرضهم فورا على الطبيب الشرعي لبيان ما قد يوجد بهم من آثار وقدم الطبيب تقريره بأنه لا توجد بهم ثمة اصابات سوى احدهم به آثار سحجات بالساعدين يمكن حدوثها من الاحتكاك بالقيد الحديدي. أما غالبية الشاكين فلم يدعوا امام المحكمة بحدوث ثمة اعتداء عليهم من رجال الشرطة. وبعد ان اطمأنت المحكمة إلى ثبوت الاتهامات ضدهم وتوافر الادلة على ارتكابهم ما نسب اليهم قضت بادانتهم طبقا للقانون. ولذلك فإنه لا يمكن التعويل على ما جاء في شكواهم بشأن تعرضهم للضرب ولا يكون الهدف منها سوى السعي للالتفاف على الاحكام النهائية الصادرة ضدهم، اصبحت عنوان الحقيقة ولا يجوز المجادلة بشأن صحة ما ورد بها ولذلك فقد امرت النيابة العامة بحفظ الشكوى إداريا.

مشروع العدالة الانتقالية

في شهر فبراير/شباط الماضي، لقي تصريح أعلنته وزارة الخارجية في مملكة البحرين على لسان وكيلها المساعد للتنسيق والمتابعة الشيخ عبدالعزيز بن مبارك آل خليفة فيما يتعلق بالتوجهات التي تنوي مملكة البحرين الإسراع في الأخذ بها بالنسبة لواحد من أهم الملفات ألا وهو ملف ضحايا التعذيب وذلك من خلال مشروع (العدالة الانتقالية)، تجاوباً جيداً من جانب المجلس التشريعي، وخصوصاً أن (النوايا) من ورائه تنظر الى طي صفحات الماضي، وفتح ذلك التصريح المجال للمطالبة بوضع حلول ومعالجات جادة تعيد بعض الحقوق لكل ضحايا التعذيب من أسر وأفراد وشهداء ومعوقين ومتضررين جراء تلك الممارسات التي لا يرغب أحد لها أن تعود الى البحرين وهي تجتاز الصعاب.

حركة نيابية للمطالبة بالتعويض

أشرنا في حلقة الأسبوع الماضي الى تحرك عدد من النواب للمطالبة بتعويض ضحايا التعذيب، وهم في إطار شرح المقترح قدموا (ديباجة) مفادها أنه بعد حصول البحرين على استقلالها السياسي من المملكة المتحدة في مطلع السبعينات من القرن الماضي بدأت ملامح ومظاهر بناء الدولة السياسية الحديثة واكتملت مع انتخابات المجلسين التأسيسي والوطني، ولكن سرعان ما تطورت الامور بعد حل المجلس الوطني العام 1975 واصدار قانون ومحكمة أمن الدولة في البحرين.

وبدأت مع هذه الحقبة من تاريخ البحرين السياسي المعاصر موجة قوية من الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد خلال ثلاثة عقود من الزمن ووصلت ذروة هذه الاضطرابات في منتصف التسعينات من القرن الماضي والتي احكمت السلطات الامنية قبضتها على الوضع العام في البلاد إذ تم اعتقال العشرات بل الآلاف من المواطنين واستشهد منهم الكثير من المواطنين تحت وطأة التعذيب في السجون والمعتقلات اثناء حركة المظاهرات والاحتجاجات على تردي الاوضاع السياسية والاجتماعية والسياسية، كما تم تشريد العشرات من المواطنين في مختلف البلدان العربية والعالمية.

ومع هذه التطورت والتحولات السياسية الا ان ملفا مهماً وصفحة سيئة من صفحات العهد القديم لم يتم طيها حتى الآن وهي تعويض المتضررين ماديا ومعنويا من جراء جرائم التعذيب والانتهاكات الجسدية والنفسية خلال تلك الحقبة المهمة وذلك بانصاف هذه الشريحة الاجتماعية الكبيرة، وانصافها باغلاق هذا الملف الساخن والمعقد تمهيدا لاجراء مصالحة وطنية شاملة والتي تدخل ضمن كفالة الحقوق السياسية والمدنية والتي جاء العهدان الدوليان مناصرين وداعمين لهذه الملفات المهمة.

ولقد صدر مرسوم ملكي رقم «56» لسنة 2002م بتاريخ 23 اكتوبر/تشرين الأول من العام 2002م قبل انعقاد المجلس الوطني للعفو العام عن الجرائم الماسة بالأمن الوطني ومنع محاسبة المتهمين في جرائم انتهاك حقوق الانسان خلال الحقبة الماضية.

وإذ إن العفو الشامل نظام جنائي بحت لا يمس الآثار المدنية للفعل المجرم، فإن حق التعويض لا يتأثر بالعفو.

لذلك فإن الاقتراح برغبة بتعويض جميع من اتهموا او اوقفوا أو ابعدوا او حكم عليهم او تعرضوا للتعذيب بجميع صوره ومظاهره خلال فترة أمن الدولة ليعتبر مطلبا عادلا ومنصفا لهذه الشريحة الكبيرة من المجتمع البحريني.

الوجه القانوني للاقتراح

أولاً: ان المشروع عندما قرر نظام العفو الشامل فإنه قصر سياج هذا العفو على محو صفة التجريم عن الافعال ورفع العقوبة الجنائية على الاشخاص اما المسئولية المدنية «حق التعويض» فلا ينصرف إليها العفو.

وهذا ما أكده الباب الرابع من قانون العقوبات والذي نظم احكام العفو، إذ نصت المادة رقم «89» على ان: «العفو الشامل يصدر بقانون ويترتب علية منع السير في الدعوى او محو حكم الادانة الصادر فيها ولا أثر له على ما سبق تنفيذه من العقوبات، ولا يمس العفو الشامل بحقوق الغير».

ومقتضى العبارة الاخيرة الواردة في النص السابق «ولا يمس العفو الشامل بحقوق الغير» ان المضرور في تعويضة لا يتأثر بالعفو.

ثانياً: ان المرسوم بقانون رقم «10» لسنة 2001 الخاص الشامل عن الجرائم الماسة بالأمن الوطني نص بصريح العبارة على حق التعويض عن الاضرار المدنية جراء الافعال محل العفو، وذلك تحديداً في ذيل المادة الثالثة من القانون إذ نصت: «ومع عدم المساس بحقوق الغير لا تسمع الدعوة المترتبة عن العفو الصادر بموجب هذا القانون».

وعليه، فإن العفو الشامل عن جرائم الأمن الوطني انصرف الى الفعل الاجرامي فقط وليس الى المسئولية المدنية، فإن كان نشأ عن الفعل المجرم - محل العفو - اضراراً لحقت بالغير فحقهم مكفول في المطالبة بالتعويض عن المصلحة الخاصة التي تضررت.

وهذا ما اكده ايضا المرسوم بقانون رقم «56» لسنة 2002 الخاص بتفسير احكام العفو عن جرائم الامن الوطني إذ نص في المادة الاولى منه على انه:

يقصد بكلمة (الغير) الواردة في الفقرة الثانية من المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم «10» لسنة 2001 بالعفو الشامل عن الجرائم المآسة بالأمن الوطني «كل مضرور من اية جريمة مما صدر بشانها العفو الشامل وفقا للمادة الاولى من هذا القانون».

وبذلك فقد كفل المرسومان السالف ذكرهما حق التعويض لكل من اصابه ضرر مادي أو معنوي أثناء التحقيق معه او في فترة قضائة لمدة التوقيف أو الحكم، وان حقوق كل مضرور خلال حقبة أمن الدولة لا تسقط بالعفو الشامل عن مرتكبي جرائم التعذيب.

العدد 1289 - الجمعة 17 مارس 2006م الموافق 16 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً