العدد 1288 - الخميس 16 مارس 2006م الموافق 15 صفر 1427هـ

حجّي صدّام ... وميلوسوفيتش

محمد المخلوق comments [at] alwasatnews.com

لاشك أن كثيرين رأوا بين هاتين الشخصيتين رابطاً وثيقاً، فالمحاكمة التي جرت في محكمة العدل الدولية بلاهاي ولم تقف عند حدود السنوات الأربع، وقف في قفص اتهامها «سفّاح البلقان» الذي كان يوماً ما رئيساً ليوغسلافيا، إلا أن الحسّ العرقي البغيض والنزعات والأهواء قادته كلّها إلى ارتكاب مذابح ومجازر رهيبة مروّعة يندى لها جبين الإنسانية، فيما وقف أمام محكمة العدل العراقية «طاغية العراق» - بحسب الدعوات التي كانت تنطلق من محاريب المساجد والأكفّ متضرعة لإهلاكه وذلك بعد غزو الكويت فقط - ذلك الطاغية الذي جثم على صدور العراقيين بمسمّى رئيس للعراق، الذي أدى به نزقه السياسيّ إلى إذاقة شعبه والشعوب من حوله مرارات الأوهام والاحتلال والتجويع.

رجلان يختلف الناس عليهما، ففي صربيا دموع وحسرات من كثيرين لفقد زعيم قومي ورمز وطني! ومن خلف المايكروفونات والعدسات العربية تبحّ أصوات بعض المثقفين «المتفيهقين» بالتشكيك في حقيقة جرائم صدام، ويذرفون الدموع السوداء (نفطاً) على «حامي البوابة الشرقية»! ولكن هذا الجدل لن يستمرّ طويلاً، إذ على الأطراف المعنية أن تتيقّن أنه ما من عودة إلى نقطة الصفر، وأن «التاريخ يكتبه المنتصر» دائماً! وهنا يقفز أمام عيني بإلحاح أحدهم ناهضاً من صفحات التراث وهو يسأل الإمام السجّاد بعد واقعة كربلاء: «يا بن رسول الله، من المنتصر؟»، فما كان من الإمام السجّاد إلا أن أعطاه آلية واضحة لذوي القلوب بأن أمره: «انتظر حتى تسمع المؤذن»!

لايزال التاريخ يبحث عن آلية يستطيع بها الحكم النهائي على الأشخاص إلا أنه لم يجدها، بدليل ارتفاع أصوات بين الفينة والأخرى تدافع عن أشخاص كانت أصابعهم تقطر من دماء الأبرياء، وهنا تظل الوسيلة الأنجع هي في عرض سيناريوهات الأطراف المتصارعة، والمواقف التي جرت، وهي منهجية واقعية، تمثل بحدّ ذاتها وسيلة إعلامية أوصى بها الإمام علي (ع) أصحابه يوماً حينما سمعهم يشتمون جيش الشام، فقال لهم: «إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر».

حتى المحاكم الدولية والإقليمية والمحلية ستظل عاجزة عن الحكم على طغاة عتاة، طالما أن هناك حسابات وحسابات تقف خلف أستار السياسة السوداء التي نصبتها الدول الكبرى، وستظل برأيي محاكمة صدام أشبه بمحاكمة ميلوسوفيتش ممتدة على سنوات! وربما يهلك صاحبها قبل اليوم الموعود، وهو ما يجعل كثيرين يشعرون بأن العدالة الحقيقية لن تأخذ مجراها اليوم، فلا بأس من الفرح بالموجود، فمن كان يتصوّر يوماً أن يقف هذا الرجل خلف قضبان الحديد، ليُسأل ويجيب، وهو ذاته لم يكن يتصوّر أن يطلب منه السكوت بأسلوب غريب، إذ ناداه القاضي كنكرة بقوله «حجّي... حجّي» فقط، وليس كما تعوّد «سيّدي... سيّدي»

العدد 1288 - الخميس 16 مارس 2006م الموافق 15 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً