ظاهرة مقلقة ومتعبة بدأت تطفح على سطح المجتمع البحريني، وأخذت وتيرتها تتصاعد دون أن نرى من المسئولين من مد إليها يده أو أعمل فكرة للقضاء عليها، ألا وهي ظاهرة هروب الخدم من المنازل وانتشارها بشكل متكرر. والأدهى والأمر أن هناك جماعة (مافيا) تقف وراء هروب الخدم وتغريهم بها وتؤويهم. والغريب أن هناك حماية من إحدى السفارات الآسيوية لتسهيل التسيب والأعمال غير الأخلاقية، وتعاونهم على الهروب والنشوز وتؤويهم في أماكن هادئة ومريحة، وتعمل جاهدة على توظيفهم في أماكن مشبوهة كي تتخم جيوبهم بالأموال الطائلة وتضخم أرصدتهم، فيسيل لعابها ولا تفكر بالرجوع إلى من أتى بها. بل هذا يشجع البقية على التذمر والهروب والبحث عن مصدر آخر لجمع الأموال، فكيف يسمح لهذه الفئة المخربة أن تسعى في مجتمعنا فساداً وانحلالاً؟ وأن تفتح الباب للعب بمشاعر أبنائنا المراهقين الذين قد ينجرفون وراء الرذيلة، بحثاً عن المتعة الحرام، واللذة العابرة، ويثلمون كرامتهم ورجولتهم ويلعبون بقلوبهم وعقولهم وكأن هذه الجهة تمارس أمراً مشروعاً.
إن الاستمرار على هذا الأمر يفسد المجتمع ويوقعه في أوحال الرذيلة، وحبال الظلم، فلم هذا السكون والصمت المشين؟ ومن المسئول عن تفشي مثل هذه الظاهرة المشينة؟ لابد أن هناك عدة جهات مسئولة عن هذا الأمر الذي بدأ يستفحل، وهي على علم بما يدور في هذا البلد، والأمر يتطلب تحركا واسعاً، وعملاً جاداً، فهذا أمـر لا يكفي للقضاء عليه كتابة نصوص القوانين ولا تقضي عليه سياط العقوبات، التي عادة ما تكون عقوبة سائحة مائعة، لا تردع مجرماً، ولا تثني لصاً بل تزيده تحدياً وضراوة. فالأمر يتطلب منهجاً واضحاً في إصلاح هذه المفسدات، وتشديداً في العقوبة ورصد بؤر الفساد والقضاء عليـها، ومعاقبة المتسترين وطردهم من بلادنا كي لا تكون وكراً لتفريخ المفسدين، وأرضاً تطؤها أقدام المخربين.
لقد آن لوزارة الداخلية أن تعلم أن هذه الحوادث المتصاعدة، ما هي إلا سم قاتل لشبابنا، ولا يعوزنا الأمر إلى ضرب أمثلة على عدم اهتمام الوزارة بهذا الأمر، فالقضية واضحة للعيان نشاهدها كل يوم. ومن واجب الوزارة الوقوف بالمرصاد أمام هذا السيل من الفساد، ولنبن جدر الفضيلة والإيمان ولتكن معاقبة هؤلاء شديدة المآخذ، لا تأخذنا فيهم لومة لائم، ولتكن أول خطوة هي فضح هؤلاء من خلال نشر صورهم، في الصحف المحلية، ليكونوا عبرة لغيرهم، وليفكر من يقوم بهذا الفعل المشين ألف مرة قبل أن يقدم عليه.
ليس من المعقول بتاتاً أن يتكبد صاحب العمل أو صاحب المنزل كلف الخادمة أو العاملة من قيمة التذكرة ورسوم وزارة العمل ورسوم الصحة ورسوم الهجرة والجوازات وغيرها، ثم بعد ذلك يتسلم الخادمة غيره دون أي عناء أو بذل مال. إن سكوتنا عنهم هو كأننا نقدم لهم خدماتنا طوعا وعلى رأسها تاج العز، وبعد ذلك يخسر المواطن البحريني كل أمواله دون أن يستفيد من هذه الخادمة، دون أن يراعي مشاعره وأحاسيسه ومعاناته وعذاباته من تقديم البلاغ في مركز الشرطة ووزارة العمل وغيرها، وننسى أهم حق هو حقوق المواطن الذي يبذل عصارة جهده لتحقيق سبل راحته، فإذا به يشقى ويزيد شقاءاً.
لست أتصور أن تقوم سفارة - في بلدنا - باستئجار فيلا رائعة تسكن فيها رعاياها الهاربين، وتعمل على إيجاد أعمال لهم تتناسب مع ميولهم غير الأخلاقية، فبعضهم يعمل لدى الفنادق في النوادي الليلية، لتكون ملمساً ناعماً ومرقداً وثيراً لشبابنا الذين هم أول الضحايا الحقيقيين.
كل هذه التجاوزات تحصل في بلدنا الصغير، وعلى مرأى ومسمع من عموم الناس، والجهات المسئولة في سبات عميق، فهي تسمع دون أن تحرك ساكناً، ولا يكفي من الجهات أن ترصد حالة أو حالتين ثم تدعي بأنها قبضت على شبكة للدعارة، هذا لا يكفي، ففي بلد صغير يمكن القضاء على هذه الظاهرة في أيام معدودات .
إن اللائمة لا تقع على وزارة الداخلية فحسب، وإنما تتحمل عدة وزارات جزءاً من هذه المسئولية، إذ إن مراقبة أعمال السفارات أصبح مهماً نتيجة هذه التصرفات الضارة بمصالح المواطنين، فالسفارة تمثل جانباً سياسياً بحتاً وليس وجودها هو للتستر على رعاياها ومحاماتهم وتمهيد الطرق لهم لممارسة ما تعودوا عليه من ممارسات فاضحة في بلادهم. فبلدنا إسلامي يؤمن بحرية المعتقد والرأي والاختيار، ولكن لا يؤمن بحرية الدمار والإفساد وخراب البيوت. فإن لم نوقف هؤلاء العابثين المخربين، ونضبط إيقاع التخريب، ونكبح المجرمين، ونقضي على هذا الاستبعاد والاستعباد فسوف نندم، فالبحرينيون كلهم أبناؤنا ولا نرضى لهم السوء والشر، قبل أن تنتشر هذه الأسقام بيننا فيكثر الداء، وينتشر الأذى والقذى ويصعب العلاج.
فيا أيها المسئولون... أبناؤنا في أعناقكم فلا تسلموهم إلى سيوف الغدر والمكر والخراب، فهذه أمانة لابد أن تحفظوها كما تحفظون أبناءكم الذين من أصلابكم، حتى نعيش في مجتمع طاهر آمن
العدد 1287 - الأربعاء 15 مارس 2006م الموافق 14 صفر 1427هـ