أربع قصص حصلت أمس وفي أقل من يوم، وهذا ليس كثيراً على منطقة تضج بالمشكلات والتعارضات والأزمات المزمنة والمفتعله والطارئة.
الأولى تتعلق بالبرنامج النووي في إيران. والثانية تتصل بالتحقيق الدولي في جريمة اغتيال رفيق الحريري. والثالثة توصل فرقاء طاولة الحوار اللبناني إلى تسوية مؤقتة بشأن بعض نقاط الاختلاف وتأجيل البحث في نقاط أخرى إلى الأسبوع المقبل. والقصة الرابعة هي تلك التي وقعت فجأة في فلسطين وقيام قوات الاحتلال بالهجوم على سجن أريحا واعتقال أحمد سعدات.
كل هذه القصص حصلت في يوم ويمكن إضافة عشرات التطورات عليها مثل استكمال محاكمة صدام حسين ورفاقه، أو العثور على عشرات الجثث الملقاة في الأزقة والشوارع في رد فعل وصف بأنه ضد تلك التفجيرات التي وقعت قبل يوم في مدينة الصدر وحصدت مئات الضحايا.
المنطقة تضج بالمشكلات وأحياناً تكون هناك علاقة بعيدة بينها وأحياناً أخرى تكون العلاقة قريبة. ولكنها في النهاية تتصل كلها ببعضها نظراً إلى التقارب السياسي بين الموضوعات على رغم المسافات الجغرافية.
ما الذي يجمع القصص الأربع، وما يفرقها؟ في الملف الإيراني هناك ما يشبه الاحباط الأميركي - البريطاني - الفرنسي من صعوبة توصل دول مجلس الأمن الى اتفاق على صيغة «بيان رئاسي» أو ما يشبه القرار بشأن وقف التخصيب. فالموقف الروسي - الصيني عارض سياسة جرجرة الموضوع الى مرحلة التدويل وهدد باستخدام حق النقض (الفيتو) في حال أصر الثلاثي على استكمال لعبة صوغ الفقرات والتلاعب بها. لذلك يرجح أن تكتفي دول المجلس بتوجيه «رسالة قوية» إلى طهران تذكرها بضرورة التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي حال حصل هذا الأمر تكون إيران كسبت جولة صغيرة وأبعدت عنها لفترة وجيزة تلك المصيدة التي جهزتها واشنطن. الموضوع إذاً تأجل مرحلياً وبات الملف الآن يطبخ على نار خافتة.
في ملف التحقيق الدولي بشأن اغتيال الحريري هناك ما يشبه بدايات في قراءة جديدة لموضوع الجريمة. فالتقرير الذي رفعه المحقق سيرج براميرتز اضاف عناصر تختلف عن الوجهة التي ذهب إليها سلفه المحقق الألماني ديفيد ميليس. فالتقرير الأول، الذي سيعقبه تقرير ثان ونهائي بعد ثلاثة أشهر، أظهر وجود اخطاء في التحقيق السابق وأخذ يوسع دائرة الشبهات ويعيد النظر في زوايا الاستنتاجات السياسية مشيراً إلى وجود شبكة إرهابية عالية المستوى في التدريب والتقنية.
وهذه الاشارة تعني أن الجريمة مركبة واشترك فيها أكثر من طرف. ولمح التقرير إلى دور سوري إيجابي في التعاون مع اللجنة الدولية. هنا أيضاً الموضوع تأجل مرحلياً وبات الملف يدرس بعناية على نار خافتة.
في ملف طاولة الحوار اللبناني توصل الفرقاء أيضاً، إلى نوع من التسوية المؤقتة لبعض الموضوعات واتفقوا على نقاط كانت موضع خلافات في المعطيات أو التفسيرات مثل العلاقات السورية - اللبنانية وموضوع هوية مزارع شبعا. كذلك اتفق المتحاورون من كتل نيابية وسياسية على اعطاء فرصة لمناقشة قضايا أخرى حساسة في الأسبوع المقبل مثل مصير الرئيس اميل لحود ومسألة سلاح المقاومة وصلته بالدفاع عن لبنان في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. أيضاً هنا تبدو الأمور سائرة نحو احتواء عناصر الأزمة وعدم المبالغة في الوعود والاكتفاء بالقدر المحدود والمطلوب للسيطرة على الأزمة ومنع انفلاتها في الشارع.
الملفات الثلاثة كما يمكن ملاحظته من ظواهر الأمور سائرة باتجاه تهدئة مؤقتة... وهذا يعني على الأقل منع الولايات المتحدة بالتكافل والتضامن مع بريطانيا و«إسرائيل» من استغلالها واستخدامها كأدوات للضغط والتوتير. وهذا كما يبدو لم يكن لمصلحة مشروع التقويض وزعزعة الاستقرار الذي تقوده واشنطن ضد المنطقة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
عدم الارتياح الأميركي - البريطاني - الإسرائيلي يمكن ملاحظته من تلك الحركة المفتعلة التي اقدم عليها الثلاثي في موضوع اريحا واقتحام السجن واختطاف المعتقلين. فالسجن يدار بضمانة دولية وباتفاق رباعي موقع من واشنطن ولندن وتل أبيب والسلطة الفلسطينية في العام 2002 ويقضي بوضع ستة معتقلين في أريحا تحت حراسة أميركية - بريطانية. المفاجأة كانت رفع الحراسة الأميركية - البريطانية عن معتقل أريحا من دون اعطاء علم للسلطة أو تنسيق معها، الأمر الذي اعطى الضوء الاخضر لحكومة ايهود أولمرت للقيام بعملية الاقتحام واختطاف السجناء.
رئيس الحكومة بالوكالة يقول إنه قام بالاقتحام لأسباب أمنية. السلطة الفلسطينية تقول إن أولمرت اقتحم السجن لحسابات انتخابية، وما حصل مجرد بطولة وهمية متفق عليها مع ممثلي دولتين كبيرتين لا تحترمان توقيعاتهما.
عودة إلى سؤال «ما الذي يجمع القصص الأربع، وما يفرقها؟». الملفات قريبة وبعيدة في آن. فما يجمع هو أن الثنائي الأميركي - الإسرائيلي المدعوم بريطانياً لا يريد استقرار المنطقة. وما يفرق أن هذا الثنائي المدعوم تضرر من دخول الملفات الثلاثة الأولى في سياق تسويات مؤقتة فأقدم على الرد الفوري من خلال تحريك أزمة سجناء أريحا بافتعال مسرحية إسرائيلية بدأت برفع الحراسة الأميركية - البريطانية عن المعتقل.
ما حصل في أريحا له أكثر من تفسير ولا يستبعد أن يكون الرد الثلاثي من خلال فتح ملف المعتقل وبتلك السرعة هو جواب على رفض منطق التسويات المؤقتة التي ظهرت في الملفات الثلاثة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1287 - الأربعاء 15 مارس 2006م الموافق 14 صفر 1427هـ