يكثر الخلط، بل تجد من يتصدّى له في شهوة عجيبة غريبة، لا يكاد ينفك يجمع أنصاره، وهم أنصار متناقضون في كل شيء إلا في قضية تدبير أمر بليل، أو التشويش على انجاز يستحق أن يُنظر اليه ويُتعامل معه باحترام لائق وبالغ، أو على أقل تقدير، النأي عن تسخيفه والتقليل من شأنه ومحاولة إظهاره في صورة الخطر الماحق الذي يكاد يتهدد كل شيء، فذلك أمر يبدو خارج دائرة ومحيط أخلاقهم التي كُرّست منذ عهدنا الأول بهم!
قلت: أنصار متناقضون في كل شيء، في الايديولوجيا، ومستويات الوعي والادراك، عدا عن الثقافة، فتلك مسألة تحتاج الى «شغل بعد الظهر» على حد تعبير الممثل المصري عادل إمام!. لكنهم في نفرة لا تخلو من جاهلية بمسوح (الغليون وحفظ بضع كلمات لزوم الوجاهة على المقاهي وأماكن أخرى!).
نعم نفرة جاهلة... وإلا ما الذي يفسر هذه الهجمة المريبة والشرسة على وجه من وجوهنا وملمح من ملامحنا الثقافية البارزة والمؤثرة - شاء من شاء وأبى من أبى، و «اللي مو عاجبه يشرب من أي مستنقع» - نفرة في السر والعلانية، في اجتماعات اعلامية، صحافية، تضج بالنجوى والتدبير بليل في سبيل تجريد الشيخة مي بنت محمد آل خليفة من جهود سنوات، ووقت وأموال بذلتها من مالها الخاص، ما دفعها أخيرا الى اللجوء الى المؤسسات المالية كي لا ترى أحد أحلام أو مشروعات الوطن، طالها التأجيل أو ربما تعرض لانتكاسة، في محاولة منها لمواصلة الجهد، من دون أن تنتظر من أحد جزاء ولا شكورا
تكشف تلك الممارسات - أول ما تكشف - عن تأزم أخلاقي في المقام الأول، ومحاولة الأخذ بالمشروعات المنتجة والفاعلة الى غيابات الجب وضرب أستار من التعتيم حيناً والتسخيف والتهوين من قيمتها حيناً آخر، فيما يظل شغلهم الشاغل أخذ الناس بالصيحة والنفرة باتجاه مناطق هم موغلون في دهاليزها وتفاصيلها ومنافعها، دهاليز السياحة - الصياعة التي يفهمون ويفقهون ويريدون ويأملون!
نتفهم أحياناً أن (يجر بعضهم النار الى خبزه) لكن لا نفهم - ولا نريد - لماذا حين ينضج خبزه يصر على حرق خبز الآخرين، وأحياناً يعمد الى هدم المخبز نفسه، مادام خبزه استوى، وليذهب بعدها الآخرون الى الجحيم. مثل ذلك التفكير يضعنا أمام حقيقة فاعلية تلك الأصوات التي لا يتذكر أحدنا أي انجاز أو فاعلية أو أية مساهمة لها، ولو في اليسير من النور الشاحب والخافت، علّه يدهمنا في صناعات ليل بالجملة!
الهجمة يقف وراءها منتفعون من الدرجة الأولى، منتفعون من حال الخلط والتشويش، بعضهم في مراكز القرار ويحركون تلك الأيدي والأصوات كما يحرك صانع الدمى دُماه، بعضهم منتفع من أتاوات وجزاءات وعلاوات تصله من تحت الطاولات، والبعض الآخر، له تجارته من الباطن التي لا ينفك يتعهدها وعلى استعداد لحرق البلد بأسره في حال تعرضت مصالحه لأدنى ضرر أو ركود، ولن يتردد لحظة في تحميل الجمعيات النسائية والطفولة وحتى جمعية أصدقاء الحيوان مسئوليتها!، عدا عن تسييس الأمور وارجاعها الى جهات لها الحق في أن تبدي رؤيتها ووجهة نظرها مادامت ملتزمة بأصول وضوابط الحوار، لكن حتى في ظل ذلك الالتزام يصبح المساس وتناول مثل ذلك الموضوع ضرباً من الخيانة العظمى، والتخابر مع دولة أجنبية، وهو الأمر الذي عمدت اليه بعض الصحف المريضة أخيرا!
هجمة أقل ما يقال عنها انها أكدت رخاوة المعدن، ورداءة الأصل، وهشاشة المنطلق، وسُفه التوجه، ووضاعة الأهداف
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1287 - الأربعاء 15 مارس 2006م الموافق 14 صفر 1427هـ