تباينت آراء المشاركين من اقتصاديين ومسئولين في ندوة »الاكتتابات الجديدة« التي نظمتها جمعية الاقتصاديين البحرينية بشأن تدخل الحكومات الخليجية في أسواق الأوراق المالية لانتشالها من الوضع المتدهور الذي تعيشه الآن.
ويرى مدير إدارة مراقبة أسواق المال في مؤسسة نقد البحرين علي ثامر أن الأسواق أتاحت المعلومات اللازمة للمتعاملين والمشاركين في الاكتتاب العام عن الشركات المدرجة أو المطروحة للاكتتاب ليستطيع المستثمر تقييم مشاركته في هذه الاستثمارات وتحمل مسئولية قراره بالمشاركة في الاستثمار والمخاطر المترتبة على على هذا القرار.
ويقول ثامر في هذا الصدد إن مملكة البحرين تعتبر أكثر دولة في المنطقة تشدد فيما يتعلق بالإفصاح والشفافية مع المستثمرين، إذ إن مؤسسة نقد البحرين تفرض معايير صارمة للشركات التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام من المملكة للإفصاح عن نشاطها وقوائمها المالية لجميع المستثمرين مستشهدة بتجربة الاكتتاب في شركة ناس ومصرف السلام وبنك السلام، إذ ألزمت هذه الجهات بنشر كتيبات مفصلة عن تاريخها ودراسة جدواها او النتائج المالية التي حققتها بصورة واضحة ومتاحة للجميع.
وأشار ثامر إلى أن بعض المصارف والشركات تفاجأت بالمعايير غير المتهاونة التي تطبقها مؤسسة النقد فيما يتعلق بالإفصاح عن المعلومات والشفافية مع المساهمين أو المستثمرين، إذ يشهد الكثير من الخبراء من منظمات دولية بأن المملكة تعد من أكثر الدول التي تراقب المعايير العالمية للإفصاح.
ولفت ثامر إلى أن هناك طرقاً غير مباشرة يمكن للشركات أن تساهم في كبح انخفاض أسهمها في بورصة البحرين من خلال تملك أسهم لها في البورصة بواقع 10 في المئة من رأس المال في حدود القانون، وهو الأمر الذي يوجد في عدد من الأسواق العالمية مثل الأسواق الأميركية.
من جانبه، قال الباحث الاقتصادي أحمد اليوشع إن هناك غير عقلانية وواقعية في أسواق الأسهم والأسعار في بعض بورصات الخليج، دفعها إلى الهبوط الحاد وتكبيد المستثمرين وخصوصاً الصغار خسائر فادحة كشفت عن أحداث اجتماعية لم تر من قبل.
وتحدث يوشع عن حدوث ما يطلق الاقتصاديون عليه بـ »العدوى« في انتقال موجة الانخفاض التي تصيب الأسواق الخليجية، إذ انتقل هبوط الأسعار القوي في الأسواق الخليجية وخصوصاً السوق الكبرى بالمملكة العربية السعودية إلى الأسواق المجاورة، وهي الظاهرة التي حدثت قبل سنوات في أسواق آسيا التي استعدت من دول مثل ماليزيا للتدخل بإيقاف السوق المتدهور ليعاود النهوض.
وأضاف يوشع أن السوق في ظل الوضع الحالي خلق وضعاً غير منطقي والواقع فرض عليه الانتكاسة ووقف هذه الخسائر يستوجب تدخل الدولة التي ستحول إليها تبعات الخسائر بصورة غير مباشرة، مشيراً إلى أن التدخل يمكن أن يكون من خلال عملية شراء اسهم أو فرض معايير وضوابط. وقال يوشع إن الاقتصاد الخليجي بإمكانه تجاوز خسائر البورصة والمحافظة على النمو بفضل وفرة أسعار النفط.
العدلية - علي الفردان
عبر اقتصاديون ومراقبون عن تفاؤلهم بأن تتخطى اقتصادات دول مجلس التعاون ما تتعرض له أسواق الأسهم الخليجية من تراجع حاد شهدته خلال الفترة الماضية معولين بشكل كبير على تدفق إيرادات النفط المرتفع سعره وتحقيق الحكومات لعوائد كبيرة في موازناتها يكفل الازدهار الاقتصادي للمنطقة خلال الأعوام المقبلة، لكنهم أبدوا في الوقت نفسه تخوفهم ما أسموه «عدوى» انتقال التصحيحات السعرية من السوق السعودية والإماراتية إلى بقية الأسواق المجاورة كما شهدته سوق الكويت، إذ لم تتأثر سوق البحرين (الصغيرة) حتى الآن بموجة الانخفاض الكبير في الخليج.
وقال الاقتصاديون إن ما وصلت إليه أسواق الأسهم الخليجية من تدهور يرجع بالأساس إلى قلة وعي المستثمر الخليجي وعدم نضوج الأسواق الخليجية التي تعتبر من الأسواق الناشئة وافتقار هذه الأسواق إلى التنوع، إلى جانب وفرة السيولة المالية لدى الأفراد.
وطالب اقتصاديون خلال ندوة «الاكتتابات العامة» التي نظمتها جمعية البحرين للاقتصاديين بتدخل الحكومات الخليجية ودعم أسواقها لكبح تدهور أسعار الأسهم وتلافي آثار اقتصادية واجتماعية جانبية اتضحت بعض ملامحها على السطح مثل إفلاس صغار المستثمرين وتأزم العلاقات الاجتماعية والأسرية ما سيضر بالنهاية بحسب رأيهم الاقتصاد الوطني ورفاهية المواطنين والتي هي من واجب الدول المحافظة عليها، مشيرين إلى أن حكومات رأسمالية مثل حكومة الولايات المتحدة تدخلت لوقف التدهور الذي شهدته أسواقها أعقاب حوادث 11 سبتمبر/ أيلول، إلا أن جانباً من الحضور رفض تدخل الحكومات في السوق والتدخل في استقلاليته
بدء ظاهرة الاكتتابات الخليجية وخصائصها
وقال مدير إدارة مراقبة الأسواق المالية في مؤسسة نقد البحرين علي ثامر: «من المهم جداً قبل الحكم على ظاهرة الاكتتابات العامة في المنطقة أن يرجع إلى واقع ما قبل حدوث الظاهرة، فقبل أعوام من السهل جداً الحكم على أسواق الخليج بأنها لم تواكب التطورات الاقتصادية في دول مجلس التعاون، وكان هناك طلب على منتجات رأس المال فيما العرض كان محدوداً جداً.
وأضاف ثامر خلال 15 سنة الأولى من أعمار أسواق رأس المال لم يتعد نمو رؤوس الأموال 11 في المئة وهذه النسبة لا يمكن أن تحقق معدلات النمو الاقتصادي المطلوبة سواء على أسواق رأس المال كقطاع أو على مستوى الاقتصاد وكانت هناك محدودية في الاكتتابات العامة في المنطقة.
وقال إن حجم التمويل للشركات المساهمة العامة القائمة والجديدة لم يكن بالمستوى المطلوب وهذا أبرز الحاجة إلى الاكتتابات العامة كمصادر بديلة لتمويل الشركات سواء للتأسيس أو توسعة النشاط القائم. وأكد ثامر أن ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات كبيرة الذي خلق فائضاً من السيولة، والسياسات الاقتصادية لدول الخليج التي تعطي دوراً أكبر للقطاع الخاص من خلال الخصخصة حتمت بروز ظاهرة الاكتتابات في سياق اقتصادي، لافتاً إلى أن الارتفاع في أسعار العقارات سبق ارتفاع الأسهم أو ترافق معه.
ونوه ثامر إلى أهمية التفريق بين الاكتتابات كظاهرة اقتصادية صحية وبعض الممارسات غير السلمية التي قد تصاحب هذه الظاهرة.
من جهة أخرى، أشار مدير إدارة مراقبة الأسواق المالية في مؤسسة النقد عن توقعات الخبراء بتوجه حجم الاكتتابات العالمية من السوق الأوروبية الأميركية إلى أسواق آسيا وتحديدا إلى الهند والصين إذ يتطلب النمو الاقتصادي في هذه المنطقة عرض الأوراق المالية لتمويل الشركات.
وعزا ثامر سبب ظاهرة زيادة الاكتتابات التي وجدت في فترة متقاربة جداً قبل نهاية 2004 وقبل نهاية الربع الأول من 2006 إلى تشبع القطاع العقاري وحاجة الشركات إلى التوسع وتوازن العرض والطلب على النقل التي وجهت رجال الأعمال والمحللين الماليين إلى الاستفادة من الفرص والسيولة الموجودة.
وعدد ثامر خصائص الاكتتابات العامة التي شهدتها دول الخليج تميزها بكبر حجم رؤوس الأموال المطلوبة والتي لم تشهدها المنطقة من قبل، تركز حركة الاكتتابات على القطاع المالي وقطاع الخدمات خصوصاً المؤسسات المالية الإسلامية التي تشير الدراسات بوضوح إلى أن معدل النمو في هذه المؤسسات لا يقل عن 15 في المئة سنوياً ما جعل حجم الطلب على هذه المؤسسات في ازدياد، كما تميزت الإصدارات الأولية في الخليج بارتفاع عدد المكتتبين إلى جانب ارتفاع عدد مرات التغطية بسبب بروز دور المؤسسات المالية بتمويل الاكتتابات والتي لم تشهدها المنطقة من قبل إذ كانت تغطي قيمة الاكتتابات من قبل الحسابات الخاصة للأفراد أو المؤسسات، وتميزت الاكتتابات التي شهدتها المنطقة بترافقها مع زيادة توزيعات أسهم المنحة التي قد تزيد عن توزيع الأرباح النقدية التي تخلق سيولة على المساهمين.
معايير لقياس صحية ظاهرة الاكتتابات
وقال ثامر ان من المعايير التي يتم بها قياس الاكتتابات كظاهرة صحية هي في الإجابة على أسئلة مثل هل خلقت هذه الاكتتابات اختلالاً في العرض النقدي التي تؤثر على استقرار العملة في بعض الدول، أما العامل الثاني هل أن هذه الاكتتابات مخططة بحيث تخلق توزيعاً أمثل للموارد المالية على القطاعات المختلفة.
وحذر ثامر من المغالاة في توقعات المستثمرين بتحقيق ربح سريع من إدراج الشركات الجديدة بعد الاكتتاب بها، مشيراً إلى أنه ليست كل حالات الاكتتاب يزيد فيها سعر السهم عند الإدراج عن سعر شراء السهم الأمر الذي قد يحدث حتى في الأسواق العالمية الناضجة كما أشار إلى أهمية مراعاة التوازن بين السوق الثانوي و السوق الأولي وتأثير الاكتتابات على أسعار الأسهم المدرجة في أسواق الأوراق المالية. وعن الموازنة بين العرض والطلب دعا ثامر إلى إطلاق المزيد من المشروعات والشركات الجديدة إلى جانب الإسراع في برامج الخصخصة لدى القطاع العام، كما أكد أهمية زيادة مصارف الاكتتاب للشركات الخليجية التي تطرح أسهمها للجمهور لتجنب أية تقلبات في العملات خصوصا أن دول الخليج تعمل ضمن إطار وحدة اقتصادية مشتركة، كما رحب بزيادة البحوث والدراسات عن تطور ظاهرة الاكتتابات على الأمد الطويل.
الاقتصاد السياسي للاكتتابات
من جانبه، استعرض المتحدث الثاني في ندوة جمعية الاقتصاديين الباحث الاقتصادي أحمد اليوشع، الاقتصاد السياسي للاكتتابات في المنطقة وقال خلال ورقته التي قدمها بهذا الشأن إن لسياسة الاكتتابات الكثير من الانعكاسات كما أنها يتم توظيفها من قبل صانعي القرار لتحقيق مجموعة من الأهداف ذات الأبعاد الاقتصادية السياسية أو الاقتصادية الاجتماعية. وأشار اليوشع إلى أن الاكتتاب سياسية تستخدم للحد من تدخل الدولة في الاقتصاد من خلال خصخصة بعض مؤسساتها الإنتاجية وتقليص تأثيرها المباشر على العملية الإ
العدد 1287 - الأربعاء 15 مارس 2006م الموافق 14 صفر 1427هـ