كان لاعتقال المعارض السوري في تظاهرة كردية سلمية في دمشق أمام مبنى رئاسة مجلس الوزراء وذلك إحياءً لذكرى حوادث القامشلي في 12 مارس/ آذار 2004 معنيان، الأول: أهمية إعلان دمشق كردياً، والثاني أهمية التلاحم العربي الكردي. وفي المعنيين تتضح صورة الوحدة الوطنية وتكتسب معناها الحقيقي. وهذا ما تكون سورية بحاجة إليه الآن أكثر من أي وقت مضى، بحكم الظروف التي تمر بها.
الأكراد رأوا من واجبهم الأخلاقي والوطني إحياء ذكرى شهدائهم الذين راحوا نتيجة طيش الرصاصات الأمنية التي لا تحسب عواقبها وانعكاساتها على الوطن والدولة، وكان المفترض أن تقوم الدولة أيضاً بإحياء هذه الذكرى الأليمة، لأن الأكراد جزء من «النسيج الوطني والتاريخي السوري». وإذ هي لم تفعل ذلك، كان من الأفضل للسلطات أن تحمي هذه التظاهرة السلمية، لا أن تقمعها، وكان من الأفضل لو استقبلوا من قبل المسئولين لتسلم مذكرتهم التي تطالب بمحاسبة المسئولين عن الحادثة ومن كان وراء افتعالها. ولو فعل المسئولون ذلك لاختلف الوضع بكل تأكيد.
إن أحدنا يستغرب لماذا يتجنب مسئولونا اللقاء بالفعاليات الكردية. عموماً فإن اعتقال رياض سيف كان له مدلول ايجابي على المشهد السياسي والاجتماعي، وربما تكون له انعكاسات على مستقبل الحركة السياسية السورية. أما المدلول السياسي فهو ان الأكراد لم يخطئوا عندما وقعوا على إعلان دمشق، فهذا كان خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنهم جزء من المشهد السياسي السوري، ووجودهم في هذا الحراك السياسي يعزز مفهوم الوحدة الوطنية في أذهان المواطنين السوريين. أما المدلول الاجتماعي فيكمن في التلاحم الكردي العربي الذي طالما نادى به الأكراد والديمقراطيون والوطنيون. فوجود شخصيات عربية في تظاهرة كردية يخرج الكرد من حال الشعور بالغربة، ويشعرهم بأنهم جزء من النسيج الاجتماعي. ونحن لا نستغرب من وجود شخصيات عربية في تظاهرة كردية، كما ان هذا الأمر يضع الكرد أمام مسئوليتهم تجاه هذه الشخصيات، بما ينعكس على اللحمة الوطنية التي تنتعش يوماً بعد يوم.
وأعتقد ان خطوة الأكراد كانت صحيحة تماماً حين وقعوا على إعلان دمشق، فالصحيح هو أن توفر المناخ لعلاقات صحيحة وصحية مع الجار العربي اللصيق جداً في شئونه وشجونه مع الأكراد. وقد كان الأكراد يقولون دائماً: «إننا نفتقد إلى بيشجكي عربي»، وأقول للأكراد: ها قد أصبح هناك «بيشجكي عربي»، لكن لهذا الـ «بيشجكي» استحقاقات، وقد حان الوقت لتكونوا أوفياء لمن يعرض حياته للخطر من أجلكم، فاعملوا على ترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية، وانظروا لأنفسكم على أنكم جزء من هذه اللحمة، ولتكن الوحدة الوطنية شعاراً دائما لكم.
بقي القول ان المدخل الوحيد أمام تفاعل القوى السياسية السورية يكون عبر التلاحم والتشاور والتشارك، ومن غير هذا المدخل يكون الطريق نحو الضياع والخوض في اللا مفيد!
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 1286 - الثلثاء 14 مارس 2006م الموافق 13 صفر 1427هـ