المتأمل للتاريخ يدرك أن أخطر الآفات وأعظم المصائب التي حلت بالأمم والأفراد كانت بسبب النفاق والمنافقين. ولم يبتل عالمنا بآفة أشد أثراً على منظومته السياسية والاجتماعية من هذه الآفة.
التاريخ شاهد والشواهد كثيرة لا تحصى، حتى أن الرسول (ص) قال «إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي منافق عليم اللسان»، وهو الذي عرفه علماء المسلمين بأنه «الشخص العالم للعلم ومنطلق اللسان به، لكنه جاهل القلب والعمل، ضعيف القيم، تحكم سلوكه المصلحة الشخصية وليست الجمعية».
أمثال هؤلاء منتشرون مثل السرطان في جميع المؤسسات، حتى لم تسلم منهم الهيئات المنتخبة لتمثيل الشعب، فتراهم يعملون بجهد ومن دون كلل، لتأمين مصالحهم، حتى وإن كانت على حساب الغير أو المؤسسة نفسها. ويسعى محترفو الصعود على أكتاف الآخرين اليوم لكسب الناس وإعادة انتخابهم، أو الحصول على ثقة القيادة السياسية لنيل المناصب أو الحصول على مقعد في المجلس المعين على أقل تقدير.
ربما يسأل البعض، لماذا أطرح هذا الموضوع في هذا الوقت، والجواب هو ما عشناه من تناقض صريح بين ثلاثة مواقف: الأول شهدناه في مجلس النواب عندما شن النواب بلا استثناء هجوما ناريا على الحكومة واتهموها بالتمطيط والاستخفاف بهم برفض غالبية اقتراحاتهم، وتركزت معظم احتجاجات النواب على رفض الحكومة لمجموعة اقتراحات اعتبروها تصب في صالح المواطنين وتخفف عنهم الأعباء المالية.
هذا الموقف كان رسالة إلى الشارع، مفادها ان الحكومة هي السبب في تأخير كل المقترحات الهادفة لإصلاح أوضاعهم ورفع مستوى معيشتهم وليس النواب الذين يتقاتلون على الاقتراحات كجزء من الحملة الدعائية للانتخابات المقبلة.
الموقف الثاني معاكس للمشهد الأول، جرى خلال لقاء الكتل النيابية برئيس السلطة التنفيذية (الحكومة)، إذ خرج علينا رئيس المجلس خليفة الظهراني لينقل عكس ما دار في الجلسة ويشيد بـ «استجابة الحكومة للاقتراحات والرغبات التي يرفعها المجلس، والتي تعكس حرص الحكومة على التعاون المثمر والبناء مع السلطة التشريعية».
أما الموقف الثالث فهو دعوة الحكومة إلى الاستقالة وبشكل علني استفز الحكومة نفسها، ومن ثم اعتذر نواب سراً عن تلك الدعوات.
المواقف متناقضة، فأيها نصدق؟ الحرب الضروس التي شنها النواب على الحكومة، أو الشكر والثناء والمديح على تعاون الحكومة والاستجابة لكل رغباتهم، أم دعوة الحكومة إلى الاستقالة علناً والاعتذار عنها سراً!
شيء واحد نؤمن به الآن، النواب يلعبون على الحبلين، حبل الشارع بالنظر للانتخابات المقبلة، وحبل التعيين في الشورى أو التوزير في أية وزارة حتى لا يخرجوا بخفي حنين من البرلمان.
المتناقضون كثيرون في هذا العالم، ولكن حتى التناقض لابد أن يكون ملعوباً، يكون بذكاء، إلا ان تناقض نوابنا مكشوف للجميع، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى خروجهم بخفي حنين... فلا إعادة انتخاب، ولا توزير ولا تعيين
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 1285 - الإثنين 13 مارس 2006م الموافق 12 صفر 1427هـ