العدد 1285 - الإثنين 13 مارس 2006م الموافق 12 صفر 1427هـ

الشهداء حين يحدّقون

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الوقت الذي شهدت فيه الصالة الثقافية قرب المتحف الوطني أمسيةً شعريةً للشاعر الفلسطيني محمود درويش مساء الأربعاء الماضي، كانت صالة جمعية العمل الوطني الديمقراطي تشهد أمسية أخرى، احتفالاً بإحياء ذكرى شهداء انتفاضة مارس/ آذار 1965.

تضمن الحفل عدداً من الفقرات المنوعة، تداخل فيها الإلقاء الشعري والفن البحري المختلط بأشجان البحارة ومغالبتهم الحياة في ذلك الزمن الصعب، إذ كانوا ينتزعون اللقمة الحلال من بين أسنان الجراجير و«الهوامير». تأملت بعض كلماتها فإذا هي تتحدث عن الصبر على البلاء وحث المرء على الصبر فيسجن الحياة، تلك المرثية الطويلة في مسيرة هذا الوطن، نارٌ كُتِب على أهل هذا البلد الاصطلاء الدائم بها. ومن بين الوصلات التراثية تناثرت كلمات أخرى قادمة من قلب حارات المحرق الشعبية: «احنه دوات العرف ما نقبل الفتنة».

القاعة تصدّرتها بعض صور شهداء البحرين، ومع كل صورةٍ كلمةٌ معبّرة كأنها قطعة من الشعر. هاشم العلوي: «سؤالٌ في القبر»، سعيد العويناتي: «نارٌ ليست للرماد»، محمد غلوم: «ذاكرة الدم والوطن»، جميل العلي: «لم يجد السيف فشهر جسده»، كلهم قتلوا تحت التعذيب في عهد الإستقلال، إلى جانب صورة بونفور: «الشهيد الأسطورة»، ومزاحم الشتر: «شهيد فلسطين» في لبنان 1982، ومحمد جمعة: «وقف قبالة الأقصى ملوحاً». عبارات شاعرية نحتت لتخليد بعض الملتحقين بقافلة شهداء الوطن.

في مقدمة الصالة صور شهداء انتفاضة مارس، أغلبهم يرتدون البدلة وربطة العنق، ربما كان موضةً في تلك الفترة، وربما ينم عن مستوى ثقافي له دلالته المهمة مادمنا نتكلم عن منتصف الستينات.

أثناء إلقاء سلمان كمال الدين لقصيدة «الشهيد» للشاعر قاسم حداد، كنت أحدّق في الصور التي تتصدر الصالة. كانت صورة بونفور على اليمين، نظراته حازمة ومركّزة، تخيّلت أنه هو الذي يحدّق فينا وليس نحن الذين نحدّق فيه. وددت لو أكلمه لأسأله عن مشاعره هذه الليلة وهو يرى هذا الجمع، القادم رجالاً ونساء وشباباً وأطفالاً، ليحيي ذكراه وذكرى رفاقه... ولكن. على الجانب الأيسر من المنصة كان غلوم، شاربٌ كثيف، ووجه طفل برئ، عليه مسحة من الحزن، يحدّق في الفراغ.

على أن اللحظة الأكثر تأثيراً جاءت عند توزيع دروع تذكارية لعوائل الشهداء. عندما قرئ اسم عبدالنبي سرحان، تقدم رجلٌ كهلٌ توحي هيئته بأنه جاوز الخمسين، أبيض الشعر، يمشي الهوينى، اكتشفنا انه ابن الشهيد الذي لا توحي صورته بأنه تجاوز الثلاثين. لابد أنه كان طفلاً حين قتل أبوه برصاص المستعمر البريطاني قبل 41 عاماً. لا ندري كيف عاش هذا اليتيم ومن الذي رباه، وكيف تقلب به الدهر. وتذكرت ابن الشهيد الصافي، وغيره من أطفال الشهداء الكثر في هذا الوطن المجنون بالحرية والكرامة والشموخ. ترى هل عليهم أن يمروا فوق قنطرة الأحزان أربعين عاماً يضربون في الأرض، يشقون ويجوعون ويعطشون، حتى يحتفي بهم جمع من أبناء هذا الشعب أو ينصفهم هذا الوطن

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1285 - الإثنين 13 مارس 2006م الموافق 12 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً