الممارسة الديمقراطية للعمل السياسي تستوجب السماح بالاعتصام والتظاهر، شريطة أن يكون هذا النشاط يلتزم النهج السلمي... وعليه فإن أحد التحديات الكبيرة التي تواجه أية تجربة نحو الانفتاح السياسي هو إمكان ممارسة الحق ولكن بصورة سلمية بعيدة عن العنف.
العمل السلمي يحتاج إلى القانون الذي يحفظ الحق في التعبير عن وجهات النظر، سواء كانت المؤيدة أو الناقدة لهذه الجهة أو تلك، كما يتطلب العمل السلمي تعميق الاعراف والتقاليد داخل المجتمع نحو الالتزام بالنهج السلمي تحت أي ظرف من الظروف.
ولعل محرر الهند المهاتما غاندي، كان من ابرز القيادات التاريخية الذي استطاع ان يقنع الشعب الهندي بضرورة المحافظة على أسلوب العمل السلمي، إلى الدرجة التي كان المتظاهرون يتعرضون فيها للضرب ولكن من دون أن يردوا على ذلك الضرب... ومع مرور الزمن تحولت حركة الحقوق المدنية والسياسية إلى نهج واضح في الأهداف والاساليب، اضطرت بعدها بريطانيا العظمى أن تمنح الهنود استقلالهم.
ولو راجعنا اساليب العمل السياسي الذي ينتصر في البلاد المتقدمة فإنه دائماً معتمد النهج السلمي، وسنرى أن الاحزاب الرئيسية تتبرأ من أي انحراف نحو العنف من قبل المشاركين في هذا النشاط أو ذاك، وسنرى أن الجهات الرسمية تجري التحقيق المستقل للتأكد من أن ممارستها سلطاتها الشرعية لم تتخط ضوابط محددة تحد من الاستخدام المفرط للقوة وعليه فإن الالتزام بالنهج السلمي يعتبر التحدي الأكبر بالنسبة إلى المحافظة على المكتسبات الحقوقية التي ينالها الشعب بعد نضالات وتضحيات جليلة، وهذا يتطلب جرأة وصراحة مشابهة للجرأة والصراحة التي تمتع بها غاندي في الهند، عبر ادانة أية ممارسة للعنف من قبل القوى المنادية بالديمقراطية حتى لو كانت هذه القوى قد استدرجت إليها، أما إذا كانت بعض هذه القوى هي التي تتجه نحو استدراج الساحة إلى العنف، فإن الشجاعة تتطلب من المتصدين للعمل السياسي على مستوى الجماهير أن يقولوا كلمتهم من دون لف أو دوران.
إن ما حدث ويحدث باستمرار ربما يكون متوقعاً في فترات التحول الديمقراطي، لكن ولكي لا تحصل ارتدادات في الجانبين الرسمي أو الشعبي، فإننا جميعاً مسئولون عن المحافظة على تجربتنا الوطنية وهذا يتطلب غرس مفاهيم وتقاليد العمل السلمي الذي لا يتنازل عن الحقوق، ولكنه أيضاً لا يسمح بالانحراف نحو العمل العنفي مهما كلف الأمر... انه تحد يواجهنا جميعاً من دون تفريق.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1285 - الإثنين 13 مارس 2006م الموافق 12 صفر 1427هـ