في بضع السنوات الأخيرة شهدت أسواق الأسهم الخليجية نمواً لعبت فيه العروض الأولية جزءاً كبيراً. وبين العامين 2004 و2005 ارتفع عدد العروض الأولية في دول مجلس التعاون من 12 إلى 25. وبحسب التقارير المنشورة من المتوقع أن يصل العدد إلى 116 في العامين 2006 و2007. لكن بمناسبة قوقعة الأسواق المالية الخليجية و التصحيحات التي حدثت حديثاً، يجدر بنا أن نناقش صدقية هذا النمو، أو الطفرة الورقية التي يمكنها أن تثري أو تفقر عندما يكون الطرف المستثمر الفرد العادي.
لا بأس بأن تكثر الحركة والسيولة في أسواق الأسهم، فهذا تعهد لمدى الاهتمام بالاستثمار عبر الشركات المطروحة ومنها تلك الحكومية التي بادرت بأن تتحول إلى خاصة، مملوكة من قبل عامة الناس. ولكن هناك أيضاً تلك الشركات التي علمنا التاريخ الاقتصادي العالمي بأنه لابد من أي سوق أسهم في طور النمو بأن يواجهها. هذه الشركات؛ إذا صح لنا بتسميتها شركات، تنتهز فرصة عدم نضج الأسواق المالية وضعف الرقابة من الجهات المسئولة، ومنح التسهيلات لامتلاك الأسهم من قبل المصارف.
تقوم تلك الشركات بإعداد طبق لا يقاوم، سهل التحضير. في بادئ الأمر يتكتل بعض أصحاب الأعمال أو السمعة في تسجيل وتكوين شركة والحصول على التراخيص اللازمة. بعدها يقومون بربط الشركة مع مستحقات لشركة أسست منذ زمن (أو يعتزمون الحصول على المناقصات والعقود التجارية المربحة)، ثم يستشيرون خبراء الاكتتاب (والذين عددهم لا يقل عن عدد مكاتب المحاسبة والاستشارة في المنطقة هذه الأيام؛ فكل محاسب أصبح خبير أسواق مالية وعروض أولية)، ثم يقومون بتسويق العرض الأولي وكأنه صندوق مليء بالشوكولاته الشهية يمكنك شراؤه بدينار فقط. لكن حذاري، فهو مليء بالدهون المضرة، والتي تصيب قلبك إذا أفرطت في التهامها.
يتهافت المستثمرون في الاشتراك، وزيادة الاشتراك تؤدي إلى ارتفاع سعر السهم عند بداية التداول بمعدل يعد أضعاف ما طرح عليه عند الاكتتاب. تزداد قيمة الشركة في سوق الأسهم، ويرتفع معدل سعر السهم والدخل (P/E)لأضعاف جنونية. يربح الجميع، لكن... من يضحك في الأخير هو طاهي الطبق. لقد وضع بعض المكونات الخاصة، مثل تعيين نسبة من أسهم الشركة للمؤسسين وغير المؤسسين. وبما أن تقييم الأسهم ليس بالضرورة يكون على صواب في هذه الأسواق المالية الجديدة، ومع زيادة المضاربة وخصوصاً من قبل عامة الناس التي لا تبالي بقراءة وثيقة العرض أو مراجعة أسس الشركة العملية، تستغل الشركة عرضها الأولي لمل جيوب مدبريها على حساب المستثمر. وفي بعض الحالات، تتجرأ الشركة على توزيع »الأرباح« من المبالغ المستلمة من العرض الأولي بدلاً من الالتزام بأعمال الشركة وتفعيل الخطة العملية التي هي فقط يمكنها تبرير قيمة الشركة وإبقائها شأناً مستمراً في المستقبل.
صحيح بأن الكثير استفاد وسيستفيد من العروض الأولية على رغم ما ذكرناه أعلاه، وخصوصاً مع المضاربة القصيرة المدى. ولكن كما رأينا في الأيام القليلة التي مضت، ومع هبوط حاد في أسعار الأسهم، لا يمكننا أن نبرر التضخم في قيمة الأسهم، وخصوصاً لشركات مكونة من اسم جميل وبعض العقود، والتي مازالت في فترة برهنة قدرتها. فخيراً لمن يبيع في الأسابيع الأولى بعد الحصول على حصته، وحذاري لمن يتمسك بالأوهام لمدة أطو
العدد 1284 - الأحد 12 مارس 2006م الموافق 11 صفر 1427هـ