المراهنة على الولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الأوسط ليست خياراً مفتوحاً حتى يتعامل معه المستفيدون المتوقعون بهذه السلبية والبرود، وهذه «القسوة الأميركية» مع النظم الدكتاتورية في التحالف الإيجابي مع قوى المعارضة الديمقراطية قد تنقلب في أي وقت، فالتاريخ السياسي شهد للولايات المتحدة مراحل طويلة من خيارات الدعم للنظم الدكتاتورية نفسها، وقد تعود الدورة من جديد، وعلى المرجفين تدور الدوائر.
ليست «الولايات المتحدة» وجوداً قاراً ثابتاً، لذلك لا يوجد لها أعداء دائمون، أو أصدقاء دائمون، حسبما أعتقد، لا أحد يستطيع أن يمثل منطقة الصداقة أو العداء مع الولايات المتحدة في المطلق، فحين تختار خياراً سياسياً معها، فأنت في صعيد التعامل مع «تكتيك» سياسي، لا «استراتيجيا» سياسية طويلة الأمد، فالوقت «فلسفة أميركية» بامتياز.
الشواهد عدة، السلوك التقليدي في السياسة سلوك تبرره علوم الاجتماع، والولايات المتحدة ليست كائناً اجتماعياً البتة. لذلك لا نستطيع أن نعرفها، أو أن نفهمها، أو أن نصادقها، أو أن نعاديها، فالمعادلة في تمثيلها البياني ليست متكافئة. الولايات المتحدة هي الحضور الذي لا يحس به سياسياً، على رغم أن البعض يعتقد بأنها «ثقيلة على صدورهم»!
تمثل الامبراطورية الأميركية 4,5 في المئة من سكان العالم، وتنتج 30 في المئة من الخيرات والخدمات في العالم، وحصتها من الاتصالات على شبكة الإنترنت تمثل 40 في المئة. وأخيراً تستطيع الولايات المتحدة أن تتجسس على أكثر من 5 ملايين رسالة إلكترونية وصوتية في الدقيقة الواحدة، وهي مع كل ما ذكرت، لا تتصرف تحت سلوك الدولة أو الامبراطورية التوسعية، فهي على الأقل لا تسعى إلى أن تحتل المكسيك على رغم أن خمسة وتسعين في المئة من المكسيكيين يتمنون ذلك!
هذه الأرقام ودلالاتها تتسق معاً في طابع أفقي لتنتج صورة من الفوضى البناءة، وأقول الفوضى البناءة لأن هذا التوصيف هو ما اتفق الكثير من نخبة السياسة الأميركية على اعتماده «توصيفاً للحلم الأميركي في حاله اليوم»، والحلم أحداثه متقلبة، وهو لا يخضع للتوقع أصلاً!
هذه الدلالات فيها عبرة لمن يعتبر، إن أراد قراءة الأمر فوق النتائج التاريخية لعقولنا المريضة بهوس التآمر، وفي ذلك شيء من الحكمة التي لا يفكر البعض منا حتى في الاقتراب منها.
لابد أن يراعي كل من يراهن على الأميركيين أو يراهن الأميركيون عليه «أن دوام الحال... من المحال»، وأن خيار التبني السياسي مرهون بالوقت ومعطياته، بالسوق وأرباحها، بالسياسة وتأويلاتها، وليس ثمة ما يبقى طويلاً
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1284 - الأحد 12 مارس 2006م الموافق 11 صفر 1427هـ