العدد 1284 - الأحد 12 مارس 2006م الموافق 11 صفر 1427هـ

حرية التعبير لا تصادر بقية القيم

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

الحرية أصلٌ، وتقييدها هو الاستثناء الذي يحتاج إلى دليل. ومن الحريات التي كفلها الإسلام حرية التعبير عن الأفكار والمعتقدات والمشاعر، ولهذا رأينا في تاريخنا الإسلامي الكثير من المبدعين على مستوى الأدب والفن والموسيقى، كم رأينا الكثير من الجماعات التي كانت تعبر عن رأيها المضاد للفكر الإسلامي بكل صراحة، من دون أن يمارس عليها الإسلام أي ضغط، بل على العكس، فالقران الكريم نقل لنا كل إشكالات هؤلاء بشأن شخصية الرسول (ص) وأنه «ساحر» و«كذاب» و«شاعر» و«كاهن»... وتشكيكهم بالكثير من مفاهيم الدين وأحكامه.

ولكن نظام الحريات في الإسلام يتميز بأنه يقوم على رؤية خاصة للكون والحياة، فهو لا يشجع على مقولة «الحرية لأجل الحرية»، بل يراها لحركة التطور والإبداع الإنسانيين، الأمر الذي يفرض أن تتحرك حرية التعبير في هذا النسق الإنساني العام لتكون حرية مسئولة هادفة وليست حرية عابثة أو لاهية. فحرية التعبير قيمة أساسية في منظومة القيم الإنسانية، ولا تختصر كل القيم، فهناك كرامة الإنسان وحرمته، ومن الخطأ غير المبرر أن نعمل على مصادرة كرامات الناس وحرماتهم تحت عنوان: «حرية التعبير». وإذا كان نظام الحريات في الإسلام يرتكز على الإيمان بالله سبحانه، فمن الطبيعي ألا يصل مستوى الحرية إلى الخروج على هذا النظام بالتجديف على الله وكتبه ورسله. وليس من المستغرب أن يكون لحرية التعبير بعض الضوابط، وأهمها ألا تقتحم حرية التعبير المناطق الخاصة بالإنسان، فهذه منطقة محرمة على الآخر لا يجوز اجتياحها بحجة حرية الإعلام والصحافة. إلى جانب العامل الأخلاقي، فلا يجوز أن تصل حرية التعبير والنشر إلى حدا المس بالأخلاق العامة وإفساد المجتمع بالأساليب الرخيصة في مسألة الجنس التجاري وغيرها. إلى ذلك، ثمة ضابط آخر، وهو أن تتحرك الحرية في نطاق المسئولية الوطنية أو القومية، فلا يجوز للإعلامي أو الكاتب أن يفضح الأسرار العسكرية لبلده بحجة حرية الصحافة، بل يدخل ذلك في نطاق الخيانة العظمى، وتسالمت الدول على معاقبة من يقوم بذلك. ولذلك نؤكد دائماً على الذين ينطلقون في مسألة حرية التعبير كعنوان غير قابل للنقاش، أن عليهم أن يتعرفوا على خصوصيات الشعوب حتى لا يدخلوا في مجالات الإساءة للآخرين، وإذا كان الاعتداء على الأرض أو على كيان هذه الدولة أو تلك يمثل خيانةً عظمى، فإن المس بالأنبياء جميعاً وبرسول الله (ص) يتجاوز في خطورته الاعتداء على الأرض والأوطان. وقد شعرنا بمستوى الخطورة عندما توضاحت الأهداف خلف عنوان حرية التعبير في الممارسات الغربية، فتصبح الحرية مقدسةً في كل ما يتناول الإسلام والنبي محمد (ص) بالإساءة والعدوان، بينما يلاحق كل من يعمل على كشف الحقائق في المسألة اليهودية، كما في مسألة المحرقة. إن المسألة تخطت مقولة حرية التعبير لتصل إلى استباحة كل ما هو إسلامي، ولتدخل في نطاق النفاق السياسي والفكري الذي تمارسه معظم الإدارات الغربية حيال العرب والمسلمين ومعتقداتهم ورموزهم الدينية والتاريخية.

وإننا نتطلع إلى عالم تسوده حرية التعبير المسئولة التي لا تسقط فيها مقدسات ولا يساء فيها لمجموعات بشرية ولا تدخل فيها الأوطان في حال طوارئ من خلال الخطاب السياسي الانفعالي الذي يستتر خلف عنوان حرية التعبير

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1284 - الأحد 12 مارس 2006م الموافق 11 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً