بعد أن أصدرت المحكمة الكبرى الأولى حكمها بقبول الطعن المقدم من اللجنة التحضيرية للاتحاد النسائي، والذي على إثره يمكن أن يشهر الاتحاد النسائي بنظامه الأساسي الذي وضعه مؤسسوه، تتجه الأنظار النسائية إلى وزارة التنمية الاجتماعية لاستقراء خطوتها المقبلة، والتي ستحدد مصير الاتحاد مرة أخرى، فإن قررت الوزارة أن تستأنف الجولة، وتعيد القضية مرة أخرى إلى القضاء، فستعود القصة لتبدأ فصلاً جديداً، يتبع فصولاً أولى طويلة خاضتها اللجنة التحضيرية والوزارة على السواء.
كان موضوع إشهار الاتحاد النسائي أشبه بالكرة، تتقاذفها الأطراف المعنية من جهة إلى أخرى، على مدى خمس سنوات كاملة. وكانت اللجنة التحضيرية تظن عندما بدأت في مشروع إعداد النظام الأساسي وطلب الإشهار، أن الموضوع لن يتجاوز أسبوعين، لأنها إجراءات «شكلية» لا بد منها، بينما تم القيام بالعمل ذي «الوزن الثقيل» فعلاً، إذ توحدت الجمعيات النسائية، أو غالبيتها، من أجل إشهار اتحاد نسائي خاص بها.
ولم يدر في خلد اللجنة بالتأكيد، أن القصة ستتعقد، وستبدأ في فصل جديد بين أخذ ورد، وتأجيل وتعطيل، وتغييرات وتعديلات على النظام الأساسي، لتبدأ القصة في اتخاذ منحى آخر جديد، صار لا بد فيه من اللجوء إلى القضاء، وصار حكم المحكمة هو الحل الفصل بين اللجنة التحضيرية، وبين الوزارة. كانت التغييرات المستمرة التي تعرض لها النظام الأساسي للاتحاد من قبل الوزارة على مدى خمس السنوات، على رغم جوهريتها، أمراً قابلاً للتنازل والتفاوض من قبل اللجنة التحضيرية، فقط من أجل أن «يشهر الاتحاد»، غير أن الحجة الأخيرة التي ساقتها الوزارة في ألا يحمل الاتحاد أهدافاً سياسية فجرت الوضع، إذ بدت اللجنة غير قابلة للتفاوض في هذا الشأن، وكأنها كانت «القشة التي قصمت ظهر البعير». فبعد كل هذا الانتظار والتنازلات، بدت اللجنة غير قادرة على الصبر أكثر، وجاء حكم المحكمة ليتوج موقفها «ناصراً» لها على الوزارة.
من جانبها، ساقت وزارة التنمية الاجتماعية مبررات تبدو منطقية جداً لأسباب تعطيل إشهار الاتحاد النسائي، وهي مبررات قانونية محضة، لا يمكن تجاوزها فعلاً. وذلك فيما يتعلق بعدم إمكان العمل السياسي ضمن الاتحاد. إذ ذكرت وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي في أكثر من تصريح لها أنه مع وجود قانون الجمعيات السياسية الذي ينظم العمل السياسي، وتشرف عليه وزارة العدل، لم يعد بإمكان وزارة التنمية الاجتماعية أن تحتضن أي كيان يحمل «أهدافاً سياسية»، وأن على المؤسسين أن يلغوا تلك الأهداف السياسية من اتحادهم إن أرادوا إشهاره اتحاداً أهلياً عبر وزارة التنمية، أو أن يتجهوا إلى وزارة العدل لتساعدهم في الإشهار.
اللجنة التحضيرية بدورها رفضت الاتجاه إلى وزارة العدل، مؤكدة في أكثر من موقع أن الاتحاد لا يحمل أهدافاً سياسية، وإنما يجب أن يسمح له العمل في تنمية المرأة في جميع مناحي الحياة، ومنها السياسية. وبين أخذ ورد بينهما، فصل القضاء في النزاع، مانحاً الغلبة للجنة التحضيرية، لتشهر اتحادها بالشكل الذي وضعته، وبالنظام الأساسي الذي اقترحته منذ البداية. وكانت أهم التوصيات التي طالبت الوزارة فيها اللجنة التحضيرية للاتحاد النسائي بالعمل بها، هو عدم تداخل اختصاصات الاتحاد النسائي مع اختصاصات المجلس الأعلى للمرأة، من باب التنظيم القانوني «على حد تعبير الوزارة». وهو أمر مطلوب وعقلاني، فتداخل الاختصاصات يعتبر على الدوام أمراَ غير مقبول. غير أن اللجنة التحضيرية للاتحاد سألت في أكثر من موقع عن «اختصاصات المجلس الأعلى»، ما هي بالضبط، وكيف يمكن أن تتداخل معها. وفي مؤتمر صحافي عقده الاتحاد النسائي أخيراً قالت احدى عضوات اللجنة «هل تتوقع منا الوزارة أن نقفز على المجلس الأعلى للمرأة ونتجاوزه؟». وهو سؤال في محله إذ لا يمكن بطبيعة الحال للاتحاد النسائي لو تم إشهاره أن يقفز على المجلس الأعلى للمرأة، ويتجاوزه، وهو «وزارة المرأة» والجهة الرسمية التي تمثلها، ويمتلك من السلطة والقانونية ما يسمح له أن ترجع له أية جهة في أي شأن نسائي في البحرين.
غير أن وزيرة التنمية الاجتماعية أيضاَ لا يمكن أن تتجاوز هذا الإطار، إذ جاءت التوصية بعدم تداخل الاختصاصات من قبل دائرة الشئون القانونية في مجلس الوزراء «كما ذكرت الوزيرة»، وهي السلطة التي لا يمكن أن تتجاوزها الوزارة بطبيعة الحال.
وتبريراً لموقفها، ذكرت الوزيرة البلوشي أكثر من مرة، أنها لا تستطيع أن تشهر الاتحاد النسائي بأهدافه السياسية، لأنها ستتعرض لـ «المساءلة القانونية» عندئذ، وأن الموضوع يعتبر فعلاً «خارجاً عن صلاحياتها كوزيرة للتنمية الاجتماعية». وهو تبرير منطقي أيضاً، فهذا هو الوضع القانوني فعلاً، ولا أعرف إن كانت العرقلة التي تعرض لها الاتحاد باستمرار ناتجة عن «حظ عاثر»، أو «عوائق مفتعلة» في طريقه، من جهات «معلومة» أو «مجهولة» لسبب ما. صراع من أجل الإشهار في النهاية، تتجه أنظار عضوات اللجنة التحضيرية، والجمعيات النسائية المختلفة، والناشطات النسائيات في البحرين إلى وزارة التنمية الاجتماعية، لتنتظر ما يكون من قرارها النهائي بشأن الاستئناف من عدمه، والذي بقي أمامها في اتخاذه نحو الشهر من المدة القانونية الممنوحة للاستئناف وهي (45 يوماً)، فإما إشهار للاتحاد، وإما الدخول في فصل آخر من فصول صراعه من أجل الإشهار لا تعرف نتائجه.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1283 - السبت 11 مارس 2006م الموافق 10 صفر 1427هـ