العدد 1283 - السبت 11 مارس 2006م الموافق 10 صفر 1427هـ

المشهد النووي... الحوار الشامل أو الحريق الشامل!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

كل المعلومات المتاحة في طهران تفيد بأن لا أحد في إيران بصدد المغامرة أو السعي الجدي إلى المواجهة مع المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة. في المقابل فإن اتجاه السياسة الأميركية الحالية بعد ما باتت عاجزة عن أن تذهب كثيراً باتجاه الصدام مع النظام الإيراني وصولاً إلى اسقاطه عن طريق المواجهة العسكرية.

ولما كانت إيران ليست العراق على رغم سياستها المستمرة عكس التيار الأميركي في المنطقة فإن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يقترح ثلاثة أهداف لاحتواء الملف النووي الإيراني:

1- سياسة التأخير والارجاء عبر الحرب الدبلوماسية وصولاً إلى العمليات السرية.

2- سياسة الردع والاحتواء عبر استثارة المشاعر المعادية إلى إيران انطلاقاً من المحيط الإقليمي ووصولاً إلى تجيش مشاعر المجتمع الدولي.

3- سياسة التشجيع الدائم للإيرانيين على التخلي الطوعي عن برنامجها النووي الطموح وصولاً إلى السيناريو الليبي!

لهذا ولحيثيات إقليمية سنأتي على ذكرها فإن ملف إيران النووي «رحل» إلى مجلس الأمن الدولي ولم يحل إليه تماماً بانتظار نضوج ظروف «المصالحة» على الطريقة «الكورية - الصينية» أو المجابهة المؤجلة، أي الإعلان الرسمي عن شن «الحرب الباردة».

الحوار عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية لن يتعطل على رغم ما حصل وما قيل عن وصول التسويات المقترحة إلى طريق مسدود!

نعم يكون الحوار انتقل فعلاً إلى عواصم أخرى دولية إقليمية.

ثمة معلومات تتعزز مع الأيام بأنه ثمة مناقشات وحوارات تتحرك ببطء وبعيداً عن النور بين طهران وواشنطن بالأصالة أو بالوكالة في أكثر من عاصمة دولية أو إقليمية، كل ما هنالك فإن التسريب ممنوع كما أن القطيعة الكاملة ممنوعة.

الجانبان بانتظار مسار التحولات الممكنة والمتاحة لصالح كل منهما في كل من العراق ولبنان وفلسطين، إذ يمسك كل طرف بعدد من خيوط اللعبة.

ولما كان الطرفان الرئيسيان المعنيان بـ «المصالحة» التي يتمناها البرادعي غير راغبين فضلاً عن كونهما غير قادرين على الحسم باتجاهها أو بعكسها أي المجابهة المبكرة، فإن القدر المتيقن هو أن الطرفين ليسا في منزلة المتحاربين تماماً كما أنهما ليسا في منزلة المتصالحين. لم يبق أمامهما غير الحوار إذاً، باعتباره الطريق الوحيد المتبقي أمامهما إلى حين انقشاع غبار «المعارك» والصراعات في أكثر من ساحة مشتركة النفوذ! في هذه الاثناء تلعب موسكو دوراً مهماً للغاية وتحاول بين الفنية والأخرى اختطاف الحل من بين ايدي المعنيين لكنها سرعان ما تتذكر انها لم تعد عاصمة الاتحاد السوفياتي السابق، وأن أوراق القوة لديها ان وجدت باتت محصورة في مساومة القوة العظمى الوحيدة في العالم على مشاركتها في بعض فتات المائدة الدولية.

لا أحد في إيران يطلب المواجهة أو يسعى إليها صحيح لكن لا أحد أيضاً يقبل بعد كل الذي جرى أن «يتبرأ» من التفويض الوطني» من قبل الأمة إلى نخبها الحاكمة بضرورة الدفاع عما بات جزءاً لا يتجزأ من الكرامة الوطنية.

ثمة مخاطر طائفية في الجوار العراقي لإيران ستطول نيرانها فيما لا لو اشتعلت أول ما تطول وأكثر ما تطول إيران. وثمة ملفات مستعصية لا يمكن التوصل إلى حلول نهائية أو حتى مؤقتة بشأنها في لبنان من دون اشراك الصديق أو الحليف الإيراني.

تماماً كما أن الملف الفلسطيني المتحرك بين الاشتداد والانفراج لا تبدو إيران بعيدة عنه، ولما كانت ملفات هذه الساحات الثلاث على طاولة أداة الدولة العظمى المتخاصمة مع إيران بشكل أساسي فإن ثمة من يعتقد بأنه لم يبق أمام «المشهد النووي» الإيراني الأميركي سوى الذهاب باتجاه فتح باب الحوار بين واشنطن وطهران في أسرع وقت ممكن.

ثمة من يعتقد جاداً في طهران بأن على واشنطن أن تخرج من دائرة التفرد الإسرائيلي في عملية صناعة قراراتها الشرق أوسطية.

ويضيف أن استعداد حزب الله للحوار المنفتح بشأن مستقبل مقاومته الوطنية ودور سلاحه المستقبلي وكذلك الفرصة المتاحة أمام تحول حركة جهادية مثل حماس إلى مكون أساسي من مكونات الدولة الفلسطينية المستقبلية ما هما الا اشارتان قويتان باتجاه امكانات وضع البنية الاساسية لحوار متكافئ اوسع واشمل من أجل تحقق السلام المفقود المترافق مع العدالة وحق الجميع في العيش في كرامة.

إن أي خيار آخر غير خيار الحوار يختاره المجتمع الدولي الذي باتت واشنطن ترخي بظلالها عليه، لن يكون مآله سوى الندم والفشل الذريع وترويج المزيد من ظروف وحيثيات التطرف والدفع باتجاه تهميش أصوات العقل والحوار. انها فرصة ثمينة لمراجعة العقل والتبحر في جوهر ما تطالب به شعوب المنطقة ومنها إيران. إن ما تقوله إيران في هذا الصدد هو إنها تملك مخزونات هائلة من اليورانيوم وقدرات علمية وقوى محلية ماهرة وحاجة ملحة لطاقة بديلة في ظل تزايد خطر نضوب مصادر الطاقة الحالية، وبالتالي فإن من حقها المشروع اقتناء التكنولوجيا النووية السلمية وتحت اشراف المجتمع الدولي، فهل من المعقول أن يأتي الرد بأننا لا نثق الا بمن تثق به الدولة النووية المدججة بأسلحة الدمار الشامل في المنطقة والتي هي في الواقع العنصر الأكثر خطراً على الأمن الإقليمي والدولي؟!

إن هذه المقاربة التي تقدمها الإدارة الأميركية للملف الإيراني كفيلة باشعال حريق هائل في الشرق الأوسط لن يسلم منه أحد.

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1283 - السبت 11 مارس 2006م الموافق 10 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً