ربما نسمع قريبا عن نوع جديد من أمراض هذا العصر يطلق عليه اسم جنون الموانئ الأميركي، تماما كما سمعنا عن جنون البقر، والانفلونزا الآسيوية وانفلونزا الطيور... إلخ. أعراض هذا المرض عبارة عن إصابة دولة عظمى مثل الولايات المتحدة بحال هلوسة حادة تستشري في كل أوصال مؤسساتها الرسمية بما فيها المؤسسات التشريعية مثل الكونغرس، من جراء تحول إدارة بعض المؤسسات فيها مثل الموانئ إلى ملكية شركة من دولة صغيرة مثل إمارة دبي .
هذا ما نشهده من ردة فعل الولايات المتحدة ازاء تحول إدارة ستة موانئ أميركية إلى شركة دبي الدولية للموانئ بعد أن اشترت هذه الأخيرة في مناقصة دولية وتحت أنظار وسمع وتحكيم مؤسسات مالية وقضائية عالمية شركة بي آند أو، البريطانية التي كانت تدير تلك الموانئ الأميركية.
الملفت للنظر كان رباطة الجأش والسلوك المسئول البعيد عن الانفعال العربي المتوقع في مثل هذه الحالات، الذي ساد سلوك شركة دبي العالمية منذ انفجار الأزمة، والذي وصل إلى درجة من الرشد جعل شركة موانئ دبي الدولية تفكر في توكيل شركة أميركية محلية لتنوب عنها في الإدارة. لكنها ووجهت بمشكلة عدم توافر شركة أميركية مستعدة للقيام بذلك.
حتى الآن لم يصدر أي بيان رسمي من الشركة الدبوية التي أصبحت بعد أن اشترت الشركة البريطانية تدير 51 ميناء في 30 دولة ، الأمر الذي جعلها عضوا في قائمة أكبر ثلاث شركات عالمية في إدارة الموانئ، وبالتالي باتت تنظر إلى إمكان إدارة 20 ميناء، بدلا من 6 من الموانئ الأميركية.
محرر اقتصاد الملاحة البحرية سيدني ليفين أكد أن «الموانئ الأميركية الباقية على السواحل الشرقية والغربية تدار من قبل شركات أجنبية ولم يتبين حتى الآن من سيتقدم لتسلم الإدارة منها». ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية عن خبراء في القضايا التجارية قولهم بأن ما ستؤول له القضية سيشكل سابقة مدمرة لشركات الشرق الأوسط الأخرى التي تخطط للاستثمار في الولايات المتحدة. دانيال غريشولد من معهد كاتو لدراسات السياسات التجارية يقول إن «(ردة الفعل الأميركية) سترسل إشارة مرعبة... فيكفي أن تكون الشركة قادمة من الشرق الأوسط كي تصبح من المسلمات حرمانها أو منعها من حق الاستثمار في الولايات المتحدة». وفي رأيي الخاص أن مثل ذلك هو أسوأ رسالة يمكن أن ترسل.
هل تشفى واشنطن من «جنون الموانئ»؟ وما هي الحالة التي ستؤول لها دولة عظمى مثلها حتى بعد تماثلها للشفاء؟ لا نملك سوى التريث قبل القفز إلى أي استنتاج، تيمنا بالسلوك الدبوي الناضج
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1283 - السبت 11 مارس 2006م الموافق 10 صفر 1427هـ