«ما الفرق؟ هما وجهان لعملة واحدة، وفي ملامح الوجهين قيمة العملة التي لا تتغير»
الموضوع الرئيسي: تمثل الحكومة البحرينية ومعارضتها وجهين لعملة واحدة. «الشعب»: هو الفئة التي تستقبل هذه السلسلة من الألاعيب السياسية، أو هي منطقة «النحس السياسي». وأخيراً، على السلط السياسية الحكومية منها والمعارضة أن تلعب دور الفاعل السياسي (المخادع السياسي)، المتلاعب بمصالح الناس، وقضاياهم، واحتياجاتهم الحقيقية.
دائماً، تعمد أي سلطة اجتماعية لأن تمرر على جمهورها سلسلة من الألاعيب السياسية، ولعالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو الكثير من الاشتغالات في دراسة ممارسات السلطة للخداع والتلاعب. وسنقارب البعض منها في هذه القراءة.
الذي لا يقبل الشك، هو أن هذه التكتيكات السياسية القلقة تعطي دلالات مؤكدة، على أن الجميع يقف في منطقة اللاوعي، وأن البيئة السياسية البحرينية لا تزيد عن فلسفة المهاترة وتبادل الأدوار في فنون إضاعة الوقت.
الإرداف الخلفي (aromyxO)
تعمد الحكومة والمعارضة على حد سواء إلى إنتاج ما يطلق عليه الباحث الاجتماعي علي سالم بالإردافات غير المفهومة والفارغة دلالياً، وغالباً ما تتسم هذه الإردافات بانعدام الإثبات الدلالي. هذه الإردافات التبريرية لا تزيد في حقيقتها عن محاولات «رفع الحرج»، أو حفظ «ماء الوجه» بالتعبير الدارج.
راقبوا خطاب المعارضة أو ان خيارها للتسجيل تحت قانون الجمعيات السياسية، حين أرادت الجمعيات المعارضة أن تهدئ من وتيرة خيارها الذي وصفه المتشددون بأنه «تنازل صارخ»، عندها، قامت المعارضة بإنتاج ما أسمته بخيار «التسجيل والتحدي»!
المعارضة لم تستطع أن تتخذ خيار التسجيل بهدوء، لذلك لم تجد أمامها من خيار سوى استخدام تكتيك «الارداف السياسي»، حتى تضمن تقبل شارعها الاجتماعي لخياراتها من دون مقاومة، على أن التحدي الذي تحدثت عنه المعارضة آنذاك كان مجرد «لعبة» ساذجة.
الحكومة، قامت باستخدام هذا التكتيك في أكثر من موقف، لنا أن نذكر عبارات مثل: «الإصلاح ببطء»، «الانتقال الهادئ»، «المرور الحذر» فعلى رغم أن هذه الإردافات تبدو منطقية للوهلة الأولى، فإنها مسمومة، فلماذا يكون الإصلاح بطيئاً؟ ولماذا يكون الانتقال من حكومة المحسوبية والفساد المالي لحكومة المساواة وحفظ المال العام هادئاً؟ وما هو المنظور العقلاني في ربط «التسارع الديمقراطي» بالبقاء في مواقع الخلف التاريخية والمظلمة؟
تكتيك الاختزال
الاختزال، هو «أن تؤدي كلمات معينة عمل منظومة كاملة»، يقول بورديو: «من النادر جداً حين يقول شخص سياسي: الشعب، الطبقات الشعبية، الجماهير الشعبية، ألا يحدث تأثير الوحي، إنه إجراء متمثل في إثارة الاعتقاد بأن المتحدث الرسمي، البديل الرمزي البسيط للشعب، هو حقاً الشعب، بمعنى أن كل ما يقوله هو حقيقة وحياة للشعب».
هكذا تكون المعارضة والحكومة في سياق واحد، فالتناقضات والتراجعات إذا ما أخذت تكتيك الاختزال السياسي فإنها تمرر على الناس بطريقة انسيابية ومقبولة.
في الواقع، إن كل طرف من الأطراف في السلط السياسية البحرينية حكومة أو معارضة، هو مثال المتحدث باسم الشعب، والحرية، والإصلاح، والتطور، ومحاربة الفساد، والتوزيع العادل للثروات، وحماية الحريات، ودعم الاقتصاد!
نلاحظ، أن الخطاب الاختزالي في خطب قادة المعارضة، أو رجالات الحكومة عى اختلاف مراتبهم، يذهب إلى اعتماد تكتيكات الاختزال السياسي بحرفية. حين تخرج المعارضة في مظاهرة سياسية فهي تدافع عن حقوق الإنسان وحريته، وحين تقمع أجهزة الأمن هذه التظاهرة ذاتها فإن المبرر لا يتغير، وهو أيضاً حماية حقوق المواطنين وحريتهم.
إن الطرفين يستخدمان «حقوق الإنسان وحريته» بالتكتيك ذاته، مع اختلاف الخيار الإجرائي لمقتضى هذا الاختزال السياسي، الذي قد يكون أقرب إلى الحقيقة، والنتيجة المنطقية لهذه «الهراء السياسي» هو أن المجتمع نفسه هو الكائن السياسي المشوه!
المقام السياسي
المقام، هو «توجيه الكلام بمفردات دالة على الطقس العام والمناسبة والحال، يعبر عن ذلك القول العربي المأثور: لكل مقام مقال».
لابد أن نراعي أن بعض مفرادت المعارضة مثل «الساحة»، «الحركة المطلبية»، «متطلبات الشارع»، «الخيار الشعبي»، «حقوق الشعب» تعمل على صناعة «مقام» خاص تظهر تجلياته على مجمل الخطاب السياسي للمعارضة.
الحكومة تصنع لنفسها مقاماً مغايراً تنطلق منه في تبرير خياراتها وقراراتها السياسية. نجد الدولة تعتمد على انتقاء بعض المفردات والمصطلحات بحرفية لصناعة مقامها الخاص، «الأسرة الواحدة»، «الأبواب المفتوحة»، «البحرين أولاً...» كلها دلالات وذرائع لقرارات سياسية مهمة، فإيقاف أي مطلب حساس للمعارضة يتطلب من الحكومة أن تنتج مقاماً مختلفاً عما هو سائد في البيئة السياسية والإعلامية لصنع مقال جديد، يعتمد على مخالفة رغبات المعارضة إذ إن المقام مختلف.
هذا المقام الخاص بالسلطتين، والذي يستخدم مبرراً لتلك البوتقة من الخيارات السياسية المتضاربة، يكون ذا ثقافة مستمرة لا تنقطع. في الحقيقة، هذا «المقام» هو منطقة ملغومة، فلا أحد يمتلك - في حقيقة الأمر - الوصاية الكاملة على «المقام» المصاغ من قبل السلط السياسية صوغاً يجعله من سياق الشيء المعروف والثابت، إلا أن مجمل الحوادث السياسية البحرينية كانت تدل على أن «المقام» لا يحمل صفة الثبات، بل هو متحرك، لزج، فضفاض، ومتغاير.
التحويل السياسي
يعرف التحويل بأنه «التفريغ بتحويل وتوجيه الدلالة إلى موقع آخر. ويتم ذلك عبر الإحالة (إلى مجهول، غائب، مفقود...) كالتعليق الدلالي لأخطاء راهنة على حادث ماض، غزو مثلا، أو على تهديد محتمل من عدو بعيد».
«الحرس القديم»، «الطبقة المخربة»،«أعداء الإصلاح»، تعمد المعارضة إلى تحويل اخفاقاتها السياسية لهذه المجهولات ذات الدلالات الاجتماعية والثقافية. حين تخفق المعارضة في حلحلة ملف سياسي معين تتجه لتحويل اللائمة لسلسلة من المسببات، الهدف من هذه الإحالات هو تفريغ ساحة المعارضة من الأخطاء، فالمعارضة لا تخطئ، هذه القوى «الوهمية» هي من تصنع المعوقات، إلا أن هذه القوى تبقى حبيسة اللغة والخيال الاجتماعي، إلا أنها قد تشغل الصحافة والإعلام لفترة من الوقت، قد تكون كافية نسبياً لتناسي الموضوع الرئيسي، وهو إخفاق المعارضة في الأصل.
«المخربون» «الفئة المخربة»، «اعداء المشروع الإصلاحي»، هذه بوتقة من القوى الوهمية التي تستثمرها الحكومة في لعبها الدور نفسه في التحويل السياسي لمشكلاتها وأخطائها، سعياً منها إلى تفريغ ساحتها من المسئولية.
حين تعتدي أجهزة الأمن على مظاهرة ما، فإنها تضطر إلى أن تلصق المبرر بأن المظاهرة كانت تحتوي بعض «المخربين»، والذين اضطروا أجهزة الأمن إلى ممارسة العنف مع جموع المظاهرة. هذا التحويل السياسي يقتضي أن تظهر الحكومة في أي من خياراتها السياسية بمظهر البريء الذي تجبره «الفئة المخربة» على ممارسة العنف. ومازالت الأمور لا تزيد في حقيقتها على لعبة، وجهين، لعملة واحدة...
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1283 - السبت 11 مارس 2006م الموافق 10 صفر 1427هـ