العدد 1283 - السبت 11 مارس 2006م الموافق 10 صفر 1427هـ

دبلوماسية المناورة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أعطى الأميركيون والأوروبيون إيران مهلة أسبوعين لوقف نشاطاتها النووية. وربط هؤلاء المهلة بصدور «بيان رئاسي» عن مجلس الأمن يحدد الشروط وهي مجموعة مطالب سبق ورفضتها طهران في اتصالات ولقاءات جرت في موسكو وفيينا.

المطالب واضحة وفاضحة في الآن. فهي تحاكم طهران على النوايا وتتهمها بأنها تملك «أجندة سرية» تطمح إلى تطوير قدراتها النووية وإنتاج أسلحة «دمار شامل» بعد خمس سنوات. فهذا الجانب الفضائحي من المسألة يكشف عن خفايا التفكير العدواني (العنصري) ضد حقوق تتصل باستقلال بلد مسلم يبحث عن مصادر طاقة بديلة لضمان تطور اقتصاده وحماية أجياله في المستقبل.

إيران لم تعارض القانون الدولي ولم تخالف تلك الشروط التي تنص عليها المعاهدات والمواثيق التي وقعتها الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية. والمشروع الذي بدأت به قبل عشر سنوات جرى بالتوافق الدولي وبإشراف الوكالة وضمن سياق تفاهمي مع أوروبا وأميركا وروسيا.

إيران من الأساس لم تخالف الشرعية الدولية. كذلك تخلت عن الكثير من الحقوق قبل أكثر من سنتين حتى لا تغضب الهيئات الدولية وتثير حولها الشكوك. فهي وافقت على تجميد التخصيب لإظهار حسن نيتها ووافقت على وضع كاميرات في كل المؤسسات والمعامل وأعطت الضوء الأخضر لفرق التفتيش لمراقبة البرنامج والتأكد من سلميته. كل هذا قدمته طهران وأكدته الوكالة الدولية في تقاريرها. وهناك تصريحات متتالية رددها رئيس الوكالة محمد البرادعي وكلها تؤكد عدم وجود خطة لتطوير تخصيب الطاقة لاغراض غير سلمية.

كل هذه الأمور لم تنفع، وهذا ما يؤكد وجود نوايا عدوانية من خطة استدراج دول الوكالة إلى طريق مسدود تمهيداً لنقل الملف إلى مجلس الأمن. وهذا ما حصل.

إيران من الناحية السياسية والدبلوماسية لا تتحمل المسئولية. فالقرار كما يبدو جرى طبخه وترتيبه، وعنوانه منع طهران من استكمال برنامجها النووي السلمي مهما كانت الأسباب والذرائع.

ربما كان بإمكان إيران الاستفادة أكثر من مشروع المبادرة الروسية التي اتصفت بالغموض. فموسكو قدمت اقتراحات وافقت إيران على نصفها ورفضت النصف الآخر. ولو وافقت على كل الاقتراحات (وهي ظالمة في جوهرها لأنها تطلب وقف البرنامج كله ونقله إلى الأراضي الروسية) لكان بإمكانها تجنب نقل الملف إلى مجلس الأمن وتأخير العبث الأميركي بالمسألة لمدة لا تقل عن سنتين.

عدم الموافقة على المشروع الروسي بالكامل أعطى ذريعة لواشنطن لإعادة نشر نظرية «المؤامرة» وإثارة مسألة وجود خطة سرية لدى إيران لإنتاج قنبلة نووية. وهذا ما استدرجت إليه الوكالة حين قبلت بنقل الملف إلى نيويورك.

دول مجلس الأمن تتحرك الآن بسرعة قصوى، فهي تقترح إعطاء إيران مهلة أسبوعين فقط للموافقة على شروط الوكالة. والشروط واضحة وفاضحة. فالوكالة تقول إنها لا تملك معلومات، ولكنها تملك «الظنون» و«الشكوك» وتطالب إيران بالمزيد من الشفافية لتوضيح بعض جوانب مشروعها «الغامض».

اقتراح إعطاء مهلة يأتي أيضاً في سياق دبلوماسية المناورة. فالاقتراح مجرد خدعة لجرجرة دول مجلس الأمن لاحقاً للموافقة على تمرير صيغة مبدئية تتفق على مجموعة فقرات تصاغ من أفكار وردت في «البيان الرئاسي».

«البيان الرئاسي» المقترح تقديمه هو صيغة مخففة ومادة أولية ومجموعة أفكار عامة تشكل قاعدة انطلاق لتطوير الفقرات وتحديدها في فترة لاحقة في مشروع قرار. فالسيناريو مكشوف وهو يعتمد على مناورة دبلوماسية تتعمد وضع إيران في حال تضاد مع «المجتمع الدولي»، وتعطل على روسيا مثلاً التفكير في أسلوب آخر. فالبيان الرئاسي هو مقدمة بسيطة ومادة أولية لصيغة قرار تخطط واشنطن لإصداره بعد انتهاء مهلة الأسبوعين.

هناك إذاً مشروع كبير تعمل الولايات المتحدة على تمريره من خلال قنوات مجلس الأمن الدبلوماسية. لذلك رفضت واشنطن اقتراحات روسية طالبت بإعادة مراجعة الملف خارج أروقة مجلس الأمن. كذلك وجهت رسائل تطمين لموسكو وبكين تؤكد أن الولايات المتحدة تفضل الحل الدبلوماسي. وهذا الأمر كررته بريطانيا وفرنسا جواباً على رفض موسكو الخيار العسكري أو اللجوء إلى القوة لمعالجة الملف. رسائل التطمين أيضاً تدخل ضمن المناورات الدبلوماسية التي يراد منها شراء الوقت لإظهار إيران وكأنها فعلاً الطرف الذي يخالف القرارات الدولية.

مهلة الأسبوعين مجرد خدعة دبلوماسية. فهي ليست فرصة لإيران لإعادة التفكير في برنامجها النووي وإنما محاولة أميركية لجرجرة موسكو وبكين إلى موقع الموافقة على صدور قرار دولي بناء على حيثيات «البيان الرئاسي». وفي حال صدر مثل هذا القرار تصبح أوراق الضغط على إيران أقوى بينما ستكون إمكانات الصين وروسيا على المناورة أضعف

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1283 - السبت 11 مارس 2006م الموافق 10 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً