لم يقدّر لي حضور أمسية الشاعر العربي الكبير محمود درويش - لظرف طارئ - يوم الأربعاء الماضي، الموافق 8 مارس/ آذار الجاري، بالصالة الثقافية، ضمن فعاليات وأنشطة ربيع الثقافة الذي ينظمه مجلس التنمية الاقتصادية، بالتعاون مع قطاع الثقافة والتراث الوطني، ومركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة. إلا أن الانطباع الذي تم تسجيله من قبل عدد من الزملاء والأصدقاء يمكّن المرء من الوقوف على ملامح ما دار احتفاء بهذا الصوت الاستثنائي في تاريخ الشعر العربي المعاصر، ضمن حركته التجديدية الأخاذة والملفتة، إذ يمثل درويش مثالاً بارزاً وناصعاً على استثنائية تجربته، متجاوزاً بذلك فضاءه العربي إلى فضاء كوني أوسع وأشمل.
من بين الأشياء التي سألت عنها الزملاء والأصدقاء - على هامش ملاحظاتهم ومرئياتهم لمناخ الأمسية والحضور - وجود الزملاء شعراء الساحة الشعبية، الأمر الذي كنت أعلم مسبقاً - بحكم تجارب سابقة - الإجابة عليه، إذ أشار معظمهم إلى أن الحضور لتلك الشريحة يكاد لا يذكر، فيما الغالبية العظمى منهم لا تنسى أن تتبجح وتتشدّق بمدى إعجابها ومتابعتها وحرصها على قراءة كل ما ينتجه ويصدره درويش، وحتى ذلك الذي يتناول تجربته من قبل عدد من النقاد، فيما حقيقة الأمر تكشف عن «فشخرة» على الفاضي، تكشف عن فقر متأصل لدى الغالبية العظمى منهم!
مثل تلك الصورة ترجعنا إلى حقيقة، أكدناها أكثر من مرة، وفي أكثر من موضع، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحقيقة شبه انعدام القراءة لدى مجموعة كبيرة من شعراء الساحة الشعبية في المملكة، وبقية الساحة في الدول الشقيقة، الأمر الذي ينتج عنه ذلك الاستنساخ المكرور والممل وأحياناً المقرف للكثير من التجارب التي لا تقول شيئاً في نهاية المطاف.
أن تكون شاعراً شعبياً، يعني - في فهم مجموعة كبيرة منهم - أن تكرّس وقتك وحياتك وقراءتك لمتابعة «الذين يشبهونك» أو الذين «تتمنى أن تشبههم»، في اتكاء عجيب وغريب على الشعر -والشعر وحده- باعتباره العمود الفقري لثقافة تلك المجموعة، فيما هم بعد حدود النص الشعري الذي ينجزونه، في حال من الاغتراب الذي يمكن تلمسه على أكثر من وجه وصعيد! ما عدا قراءة «الأشباه»، يصبح الأمر ضرباً من الإسراف في الوقت والإسراف على النفس، وكأن مثل تلك القراءة تقود إلى طريق مهلكة، فيما العكس هو الصحيح
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1282 - الجمعة 10 مارس 2006م الموافق 09 صفر 1427هـ