تبدو أسباب العنف المتصاعد في العالم الإسلامي ومنه، خليط من أسباب عواملها خارجية وداخلية، تؤلف بيئة العنف في العالم الإسلامي، وهي بيئة تتفاعل فيها العوامل الخارجية والأخرى الداخلية، فتقود إلى ظهور العنف بما هو عليه من سلوك مدمر سواء في تطبيقاته داخل البلدان الإسلامية على نحو ما حصل ويحصل في اغلب البلدان ومنها مصر والعراق والأردن، أو كما جسدته حوادث 11 سبتمبر/أيلول وتفجيرات مدريد ولندن وغيرهما.
وبيئة العنف الإسلامي، تكمن في دائرتين، أولها دائرة السياسة الدولية، وتاريخ هذه الدائرة في العلاقة مع المسلمين والإسلام ظهر ملتبساً في العقود الماضية، لأنه لم يعزز فقط الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، وهي صور سلبية، بل أظهر إهمالاً في معالجة القضايا المختلفة ذات الصلة بالعالم الإسلامي وخصوصاً القضايا السياسية، التي بدت ساخنة، واستمرت كذلك على نحو ما كانته القضية الفلسطينية، ثم تطور الأمر بصورة أكثر سلبية بعد انهيار نظام القطبية الثنائية، إذ توجهت مراكز صنع السياسة الدولية نحو جعل الإسلام عدواً، وتقسيم العالم إلى معسكرين، يمثل الإسلام والمسلمون فيهما معسكر الشر على نحو ما كان معسكر الشيوعية، بل وأشد من ذلك.
والدائرة الثانية، كانت الدائرة الإسلامية، التي على رغم تنوعها في شمولها الدول والمجتمعات والجماعات، فإنها كانت شبه موحدة في النظر إلى دائرة السياسة الدولية وفي التعاطي الايجابي معها في معالجة القضايا التي تخصها من جانب وفي القضايا التي تهم العالم كله، وهي نظرة استمرت إلى نحو عام حتى أواسط الخمسينات، إذ أخذت الدائرة الإسلامية في الانقسام إلى جزء توجه شرقاً، وآخر انحاز أكثر إلى الدائرة الغربية، لكن أحدهما لم يتحسن وضعه وقضاياه مع دائرة السياسة الدولية، إنما ازداد الأمر تردياً في ظل التدهور المستمر والمتصاعد في بنيات الدول الإسلامية وعدم وجود حلول لقضاياها، وتزايد تعقيداتها، ومع انهيار القطبية الثنائية، عادت الدائرة الإسلامية إلى مشتركاتها العامة، وأخذت تتصاعد حدة تناقضاتها مع دائرة السياسة الدولية تحت الرعاية الأميركية.
وعلى رغم المشتركات في الدائرة الإسلامية، فان الدولة فيها، وان غلبت عليها طبيعة الدولة الشمولية المحكومة بأقلية ما، تنتهك حقوق شعبها، وتؤدي سياساتها إلى ترديات سياسية واقتصادية واجتماعية متزايدة، فقد حاولت الموازنة بين مصالح الحاكمين فيها وطموحات مجتمعاتها ولاسيما في معالجة القضايا السياسية الضاغطة، وهكذا مالت في تعاملها مع دائرة السياسة الدولية إلى نوع من المساومة والمهادنة، دفعتها في بعض الأحيان إلى التراجع أمام ضغوط الدائرة الدولية، وأدت تلك السياسة إلى ردات فعل سلبية داخل المجتمعات الإسلامية، التي فقد غالبيتها القدرة على تغيير الواقع في أي مستويات كانت، فظهر نوع من «الوعي الديني» يقوم على «فكرة التدخل بالقوة لتغيير الواقع» في أبعاده المحلية أولاً، ثم تمدد هذا الاتجاه ليتخذ أبعاداً إقليمية ودولية، ويمكن رؤية هذا التطور من محاولات إسقاط الأنظمة من جانب جماعات دينية مسلحة إلى الذهاب للحرب في أفغانستان، ثم الانتقال إلى ممارسة عمليات العنف على مستوى العالم، كما يبدو الأمر في نشاط «القاعدة».
لقد كان التعبير الأوضح عن التحول في بعض المجتمعات الإسلامية، ظهور الجماعات الإسلامية المسلحة، والتي لجأت للبحث في التراث الإسلامي عما يمكن أن يدعم توجهاتها للعنف، فوجدت بعضه في أقوال الفقهاء، ولاحقاً في أفكار القادة المؤسسين لجماعات الإسلام السياسي، ولم يمنعها مطلبها من اجتزاء نصوص من المصادر الإسلامية الأساسية، أو اقتطاعها من سياقها، إضافة إلى التركيز على حوادث معينة من التاريخ من أجل تبرير توجهاتها وسياساتها وممارساتها ذات الطابع العنفي المغلق والسري غالباً، ثم أضافت إلى ما سبق خلق إطارات ذات مرجعية، جعلتها بديلاً لمرجعيات أساسية، وقاعدة لخلق مرجعيات أخرى، كلما تعرضت تلك المرجعيات للغياب أو «انحرفت»، وعزز ذلك كله واقع الاضطهاد السياسي والقمع السائد في غالبية البلدان الإسلامية.
لقد صارت بيئة العنف في البلدان الإسلامية بيئة مركبة في عوامل تكوينها، الأمر الذي يعني أن أسباب العنف في هذه البلدان أو التي ينطلق منها، مركبة أيضاً، وبالتالي فإن معالجة ظاهرة العنف بحاجة إلى تضافر جهود مشتركة في المستويات الدولية والمحلية، وهي التي ولدت بيئتها، وتحملت نتائجها
العدد 1281 - الخميس 09 مارس 2006م الموافق 08 صفر 1427هـ