الأسبوع الماضي، وفي هذه الزاوية، تم تناول «شلخة» طوني بلير، من أنه «استخار الله قبل اتخاذ قرارٍ بالانضمام إلى غزو العراق»! وقال إنه كمؤمن اتخذ ذلك القرار الصعب بعد أن لجأ إلى السماء! ورداً على منتقديه بشأن مشروعية الحرب، أحال الموضوع إلى يوم القيامة: «فالله سيحكم على قراري»! واختتم المقال بالقول: «لقد كثر الدجالون و(زادت الشلخ... وهذه شلخة ما تمر من باب البحرين)»! والعبارة الأخيرة يستخدمها البحرينيون للردّ على الأكاذيب التي «تزيد عن حدها فتنقلب ضدها»!
البحرينيون حينها لم يدركوا أن هناك كذبةً أكبر من كذبة بلير تنتظرهم، أطلقها رئيس تحرير صحيفة مصرية، في مقاله الأسبوعي باسم «حكايات أسبوعية»، ادعى فيه أن «إيران تدفع مرتبات شهرية لكل شيعي يعيش في الخليج»! (والله زين! بس ما ندري هالمعلومة من وين جايبنها الأخ المحترم!)
هذه «الشلخة المتشحّمة» وردت في سياق نقدٍ، أو تفنيدٍ، أو تشكيكٍ، أو هجومٍ على السياسة الإيرانية في المنطقة، وهو أمرٌ لا يعنينا على الإطلاق. ما يهمنا هو أن نكشف سخافة هذه الشلخة (الزفرة) التي لا تمر لا من باب البحرين، ولا من بوابة بومبي، ولا يمكن قبولها حتى ضمن حكايات الأصمعي عن كبار الكذابين في التراث العربي كله!
الورم الأكبر في هذه الشلخة، هو أنه ينقل «شيعة الخليج» في سطرٍ واحدٍ، من خانة العروبة إلى خانة «التفريس» والولاء إلى إيران! وهي الخطيئة التي ما زالت تقترفها فضائيات وصحف عربية كثيرة، حين اتهمت شيعة العراق العرب الأقحاح بالتبعية إلى إيران، فطردتهم من دائرة العروبة إلى الدائرة «الفارسية» حيناً، و«الصفوية» حيناً آخر، فأفرغت العراق من أهم وأكبر مكوناته العربية، في خطوة حمقاء غبية.
ثم إن شيعة الخليج والعراق، ينتمون إلى العنصر العربي، والدماء العربية تجري في عروقهم، وهم لا يقبلون التشكيك في نسبهم وانتسابهم، مع إيمانهم وتسليمهم التام للمعيار النبوي الشريف: «لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ إلا بالتقوى».
رئيس التحرير في سياق إكمال «حدوتته» قال إن سبب اختيار الشيعة (في البحرين مطلع السبعينات) للاستقلال ليس وطنياً، وهو كلامٌ رخيصٌ جداً وطعنٌ مرفوضٌ بحق هذا الشعب، وهذه الكتلة الكبيرة من أبنائه، فضلاً عن أنه ينم عن جهلٍ معيبٍ بحقائق الواقع السياسي، حين فسّر رفضهم الانضمام إلى الشاه بأنه تعبير عن الغضب عليه لأنه كان يضطهد ويعتقل ويعذب «الملالي الإيرانيين»!
العارفون بتاريخ البحرين السياسي وتياراته المعاصرة، يعلمون الميول الناصرية والقومية والعروبية لدى هذا الشعب، وهي التي حسمت خيار الشعب لصالح الاستقلال، ورفضاً لسياسات الشاه لمواقفه المعادية للقضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها قضية فلسطين المحتلة.
أهل الخليج أعلم بالخليج من بعض المتطفلين، وهم أعلم بما يجري على أرضهم من «صفقات» و«سمسرة» و«ترويج أكاذيب»، ولكنهم لا يعلمون كم كان استلم أجراً على تلفيق هذه «الحدّوتة»! فحكاية «الراتب الشهري» فاقت كل «الخزعبلات»... ومؤلف «حكايات الجمهورية» اكتسح الكذابين عبر التاريخ!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1281 - الخميس 09 مارس 2006م الموافق 08 صفر 1427هـ