العدد 1281 - الخميس 09 مارس 2006م الموافق 08 صفر 1427هـ

درويش وقبض هائل على جماليات مُهمَلة

في واحدة من أنصع أماسي المملكة... «يوسفُ »كان حاضراً

شهدت الصالة الثقافية، بالقرب من متحف البحرين الوطني، مساء أمس الأول (الأربعاء) اكتظاظا بالجمهور الذي توافد للاستماع الى أحدث نصوص الشاعر العربي الكبير محمود درويش. كانت أمسية ملفتة بكل المقاييس، والجمهور الذي افترش الأرض - لأن عدد المقاعد 800 مقعد - لم تستوعب ضعف ذلك العدد الذي تقاطر من دول شقيقة، وخصوصا المملكة العربية السعودية، فيما الطريق المؤدية الى الصالة شابها ارباك وازدحام كبيران، يمكن معاينتهما من حركة المرور التي بدت مختنقة على امتداد شارع أحمد الفاتح.

قرأ درويش من حديثه وقديمه، وقديمه بطبيعة الحال يظل معاصرا لما يحمله من كم هائل من صفاء الرؤية وعميقها، وتلمسها لمواطن جمالية بدت وكأنها غائبة أو عصية على القبض من قبل آلاف الشعراء العرب الذين ظل معظمهم يتعامل مع تلك المواطن بضيق أفق وفقر رؤية، فيما درويش يحيل البديهي الى صاعق في دهشته، والعصي على التأمل كأنّ فيه ملامح وصفات البيت الأول.

والحصان الذي «سقط عن القصيدة» بدا وكأنّ له غابة من أجنحة، تأخذ بالرائي والمرئي الى فضاءاته التي لم يمسسها سوء، ولم ينل منها غياب هو في الذروة من النكران في كثير من الأحيان. والحصان نفسه استطاع درويش أن يخلق حالا من التوأمة معه وفيه... بزوج «حمام أبيض» على أكثر من غصن وأكثر من سنديان.

سقط الحصان عن القصيدة

والجليليات كن مبللات بالشراش وبالندى

يرقصن فوق الأقحوانْ...

الغائبان أنا وأنت

أنا وأنت الغائبانْ...

زوجا حمام أبيض

يتسامران على غصون السنديانْ...

لا حبَّ

لكني أحب قصائد الحب القديمة

تحرس القمر المريضَ من الزمانْ...

كرٌّ مفرٌّ كالكمنجة في الرباعيات

أنأى عن زماني حين أدنو

من تضاريس المكانْ...

لم يبق في اللغة الحديثة

هامش للاحتفاء بما نحب

فكل ما سيكون كانْ...

سقط الحصان مضرّجا بقصيدتي

وأنا سقطت مضرّجا بدم الحصانْ...

لم ينس درويش «يوسفه» «يوسفنا» الحاضر الغائب في الكثير من نصوصه، لكأنه المجاز الملحّ على حال من غدر كوني يتكرر مع تكرار الخليقة دفعا الى هذه الحياة... تكرار غدر ... وإخوة ... وليل... وأكثر من جُبّ لكنه يظل في نهاية المطاف يوسف الذي يشعل من عصا الراعي والنبوءة سهول ومروج حكمته وذهابه العميق الى الناس، معيدا الى الحياة بياضها الغابر، وألفتها الغائبة.

أنا يوسف يا أبي

يا أبي، إخوتي لا يحبونني

لا يريدونني بينهم يا أبي

يعتدون عليّ ويرمونني بالحصى والكلام.

يريدونني أن أموت لكي يمدحوني وهم أوصدوا باب بيتك دوني

وهم طردوني من الحقل

هم سمموا عنبي يا أبي

وهم حطموا لعبي يا أبي

حين مر النسيم ولاعب شعري

غاروا وثاروا علي وثاروا عليك

فماذا صنعت لهم يا أبي؟

كانت أمسية استطاع من خلالها درويش أن يخرج كثيرين من حياديتهم، ولم يك مستغربا أن تتصدر الكراسي الأمامية في الصالة، مجموعة من الأسماء التي ظلت على مبعدة وربما جفوة مع مشروع درويش الشعري، لسنوات طويلة من صم الآذان أمام مشروع كان وقتها مقدّرا له أن يشق طريقه وبثقة عالية وسط مشروعات شعرية ظلت مؤق

العدد 1281 - الخميس 09 مارس 2006م الموافق 08 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً